قبل سنوات عدة ، وفي بداياتي الصحفية ، زرت معهدا للمعاقين وشاهدت فتى بلا ذراعين ..كان من ابرز الموجودين لبراعته في الكتابة على الآلة الطابعة وتصليح الأجهزة الكهربائية بقدميه ..سألته عما ينوي عمله بعد تخرجه من المعهد فقال انه يتمنى لو حصل على وظيفة حكومية ككاتب على الآلة الطابعة لإعالة اسرته كبيرة العدد ..وقتها ، ناشدت الجهات المسؤولة لمساعدته في تحقيق حلمه ، ولم تمض فترة قصيرة حتى جاءني الرد ومعه دعوة للفتى لتسلم وظيفة حكومية ...بعد سنوات ، كنت في زيارة لأحدى الدوائر التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية ، ووجدت الفتى وقد غدا شابا وهو يرأس قسم الآلة الطابعة ..تخيلوا حجم سعادتي وانا اشعر باستجابة الجهات المسؤولة لمناشدتي بتحقيق حلم شاب معاق تمكن من الحصول على وظيفة ومساعدة اشقائه الأصحاء على مواصلة دراستهم ..في مثل هذه المواقف تصبح مهنة المتاعب وسيلة لتحقيق احلام المواطنين ويصبح الصحفي جسرا بين المواطن والمسؤول فيزول التعب وتحل محله لذة مساعدة الآخرين ..
في السنوات الأخيرة ، ورغم تمتعنا –نحن الصحفيين - بقدر اكبر من حرية التعبير عن الرأي وانتقاد سلبيات المجتمع والحكومة دون خوف من العواقب ، لا أنكرشعورنا بالإحباط حين تمر كتاباتنا غالبا مرور الكرام امام المسؤولين الذين لايملكون الوقت او الاهتمام لمتابعة مانكتب ، وهكذا تحولت جهودنا في تناول القضايا المهمة الى ( كلام جرايد ) ، وصار يمكن ان نتوقع ورود عبارة (لاحياة لمن تنادي ) لأكثر من مرة في تعليقات قراء مقالاتنا التي بتنا ننشرها في مجاميع النخب الإعلامية والمثقفة التي تضم العديد من المسؤولين ومدراء مكاتبهم لتصل الى المسؤولين وعلى صفحات التواصل الاجتماعي لضمان قراء اكثر –لعلمنا ان مطالعة الصحف لم تعد تستهوي الكثيرين في زمن سيادة وسائل التكنولوجيا - ..
قبل ايام ، عاودني الشعور بالفرح بعد ان وردتني دعوات واستجابات من جهات مسؤولة وحكومية لمساعدة الاكاديمي والناشط الذي تحدثت عنه في مقال سابق والذي يسعى الى تأهيل المدارس الطينية بمساعدة منظمات انسانية خارجية ، ومايثير الفرح ليس الاستجابة بل تاكيد المسؤولين على انها ستكون خالصة وهدفها انجاز تلك المدارس خدمة للطلبة العراقيين مايعني ان صاحب القضية لن يسمع عبارة ( دير بالك علينه ) التي احبطته ودفعته الى مغادرة العراق ..
في العلاقة بين المسؤول والمواطن قال الخليفة عمر بن الخطاب (رض) :" لاخير فيك ان لم تقلها ولاخير فينا ان لم نسمعها منكم " ردا على رجل قال له :" اتق الله ياامير المؤمنين " واستكثر ذلك جلساء الخليفة لكنه منحه الحق في قولها ..من حقنا اذن ان نقول ونؤشرمواطن الخلل في اداء الحكومة والمسؤولين ولاخير فيهم ان لم يسمعوا مانقول ويستجيبوا له ..
في هذه الحالة ، ستكون قضية الرجل مقياسا لمدى صدق استجابة المسؤولين في انجاز المشروع دون قيد او شرط ولنوايا انسانية ووطنية بحتة ، خاصة واننا مقبلون على فترة انتخابات وسيتسابق المسؤولون على تجميل صورهم.. ولكي تتضاعف فرحة الانجاز ، ويكتمل المشروع ويحل اليوم الذي تختفي فيه مدارس الطين ، آمل الا تكون الاستجابة وسيلة لتلميع الصور او تحصيل ارباح مادية لنجد مانرد به على من يعلق على مقالاتنا بعبارة :" لاحياة لمن تنادي"...
استجابة .. حكومية
[post-views]
نشر في: 17 أكتوبر, 2016: 09:01 م