التشكيل والمسرح كانا من اهم انشغالات اندريه فايدا الذي رحل عن عالمنا الاسبوع الماضي، رحل منهما الى السينما .. منتصف الخمسينات ، ليبدأ متأثرا مثل كل ابناء جيله في تلك الفترة بالواقعية الايطالية الجديدة التي بانت واضحة في ثلاثيته السينمائية («جيل»، و«كاناو»، و«رماد وألماس») نهاية الخمسينات والتي وثّق فيها تفاصيل من الحرب العالمية الثانية في بولندا والتي كانت الموضوع الاهم للكثير من السينمائيين .. التاريخ والسياسة كانت القيود الواضحة في اعماله.. حتى نهاية الخمسينات وتحديدا عام (1960) عندما تحرر من اعباء السياسة والتاريخ بفيلمه «مشعوذون أبرياء» (1960) الذي قال عنه انه «أكثر أفلامه خلواً من التأثيرات السياسية»، كان هناك تأثر واضح بالموجة الفرنسية الجديدة، حيث تناول حالة التمرد والعبثية واحياناً ارهاصات الثورة التي سادت خلال فترة الستينات. حيث انشغال الشباب بالبيتلز والجاز واليسار الجديد.
وابتداءً من هذا الفيلم، وبعده «شمشون» الذي تناول موضوعة الهولوكوست وأعباء الهوية اليهودية في وارسو ..غير فايد وجهته السياسية بالكامل بالضد من النظام الشمولي في بلده.
ليغادر إلى فرنسا حيث سيبقى هناك حتى انهيار جدار برلين نهاية الثمانينات، وليبدأ سلسلة الأفلام التي تعارض نظام الحكم في بولندا وصولا الى فيلم (فاليسا.. رجل الأمل)، وهو عن سيرة مؤسس حركة التضامن البولندية ليخ فالسيا الذي دق المسمار الأول في نعش الأنظمة الشيوعية عندما قاد الاحتجاجات العمالية في غدانسك، تقتطع من سيرة الرجل السنوات التي أعقبت انتصار الديمقراطية في هذا البلد.
إذن الفيلم والسيناريو اعتمد الجانب الأكثر ديناميكية في حياة فاليسا وهو قصة حضوره القيادي والطاغي في الاحتجاجات التي عمت بولندا فيما بعد وقيادته لها ثم اعتلاؤه منابر الخطابات المحرضة ، وتعرضه للمضايقات والاعتقالات المستمرة ، كما يرصد المعاناة الشخصية والسياسية التي واجهها في قيادة الاحتجاجات ، ثم حصوله على جائزة نوبل للسلام. وهو هنا يغطي السنوات ما بين تظاهرات العمال في الشوارع عام 1970 وخطاب فاليسا في الكونغرس الأمريكي عام 1989 ،فيما يهمل الفيلم الحديث عن السنوات التي أعقبت عام 1990، ومنها الحدث الأهم في اعتلائه منصب الرجل الأول في الدولة عندما انتخب رئيسا لبولندا .
تصدى لإخراج هذا الفيلم ، الذي قال خلال استعداده لتصوير هذا الفيلم : "إنني لا أرغب في ذلك، لكنني مضطر"، مكررا بذلك المقولة الشهيرة التي كان فاليسا قد استخدمها عندما أعلن ترشحه للرئاسة للمرة الأولى.
إن صاحب "الأرض الموعودة"، و"الرجل الحديدي"، وفيلم "كاتين" يدرك الصعوبة التي تكتنف تناول مثل هذه الشخصية ، بسبب الإشكالية السياسية والاجتماعية التي رافقت صعودها المدوي ، والالتباس الواضح في تركيبتها التي أفضت في ما بعد إلى فشلها في تكملة مشوارها السياسي الذي بدأته وسرعان ما انسحبت من الأضواء . حماسة هذا المخرج الكبير لإنجاز هذا الفيلم بوصفه كان احد المعارضين للنظام الشمولي في بولندا دفعته لتقديمه بالطريقة التي شاهدناها ، بل أن هذا الفيلم هو استكمال لموقف فايدا من هذا النظام الذي تجلى واضحا في فيلمه (الرجل الحديدي) الذي انتزع سعفة كان الذهبية عام 1981 في أوج حركة الاحتجاجات في بلده.
تعمد المخرج ، ان من باب الانحياز ، أو من جانب تجنب الخوض في إشكاليات المرحلة اللاحقة لانتصار فاليسا وسقوط النظام الاشتراكي في بولندا، أن يستعرض سيرة هذا الرجل خاصة في أوج تألقه لحظة انتخابه رئيسا للبلاد ثم السلسلة المتلاحقة من الفشل في الاستمرار باللعبة السياسية.
برحيل فايدا لم يبق من الثلاثي الذي وضع اسم بولندا على خريطة السينما سوى رومان بولانسكي بعد ان غيب الموت منتصف التسعينات كريستوف كيشلوفسكي.
فايدا الذي رحل
[post-views]
نشر في: 19 أكتوبر, 2016: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...