adnan.h@almadapaper.net
في المرّتين اللّتين زرتُ بهما إيران، قبل سنين، ودائماً في مهمّة صحفيّة، كنتُ أُضيَّفُ في منازل لمعارف فيسألونني في الحال أيّاً من المشروبات الكحوليّة أفضّل، وإذ كنتُ أعبّر عن دهشتي، لمعرفتي بأنّ الخمرة مُحرّمة في جارتنا الشرقية منذ 1979، كان يقال لي على الفور: المشروبات الكحولية متوفرة الآن سرّاً أكثر مما كانت عليه علناً في عهد الشاه.
ذات سنة كنتُ أمضي إجازتي الصيفيّة في أنطاليا التركية على البحر الابيض المتوسط. الفندق الذي أقمتُ فيه كان ينظِّم عشاءً مفتوحاً في مطعم يشرف على البحر مباشرة، وتتخلل العشاء حفلات موسيقية غنائية. كان الإيرانيون من أكثر المصطافين تميّزاً.. كانوا يشعلون تلك الأمسيات رقصاً وغناءً وشرباً. فهمتُ من بعضهم أنهم، وهم من أبناء الطبقة الوسطى، يمارسون هذا النوع من الحياة في بيوتهم التي تجتمع فيها عائلاتهم لتستمع إلى الأغاني المحلية والاجنبية وترقص على أنغام الموسيقى الشرقية والغربية وتأكل وتشرب ما لذّ لها وطاب، بما فيه الخمرة.
بلدان أخرى زرتُها أوعشتُ فيها حرَّمت هي أيضاً الخمرة، لكن هذا المشروب كان متوفراً على الدوام. بين هذه الدول الكويت والسودان وبعض إمارات دولة الإمارات. وفي هذه الدول، كما في إيران، تزدهر أيضاً سائر أنواع الاتّجار بالممنوعات كالمخدّرات والرقيق الأبيض والأعضاء البشرية، ولم تفلح السلطات إنْ في وقفها أو في الحدّ منها، فتجّار الممنوعات يعرفون كيف يعملون، وبين ما يعرفونه كيف يُغدقون على موظفي الحكومة المعنيين بالرشاوى.
مناسبة هذا الكلام ما كُشِف النقاب عنه في طهران أمس، فوسائل إعلام محلية قالت إنه قبيل 7 أشهر من الانتخابات الرئاسية و9 أشهر من تعيين حكومة جديدة، قدّم ثلاثة وزراء محسوبين على التيار الإصلاحى استقالتهم بعد تعرّضهم لضغوط من جانب محافظين متشددين بسبب نهج الوزراء الليبرالي نوعاً ما حيال الموسيقى والسينما ووسائل الإعلام وحضور النساء الى الفعاليالت الرياضية في الملاعب. الوزراء الثلاثة هم وزير الثقافة علي جنتي ووزير الشباب والرياضة محمود جودارزي ووزير التعليم علي أصغر فاني.
الوزير جنتي كان قد رفع بعض القيود التي فرضتها الحكومة السابقة (حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد) على النشاطات الفنية، فعاد العديد من الفنانين الذين مُنعوا من ممارسة عملهم بغضّ النظر عن توجّههم السياسى. كما رعى الوزير حفلات موسيقية، حتى في المدن التي تضمّ مراقد لشخصيات دينية، وعمل على تخفيف الرقابة على الإنترنت. أما وزير الشباب والرياضة فذنبه أنه دعا الى مشاركة أكبر للمرأة في الفعاليات المقامة في الملاعب، وهو ما يعارضه بشدة رجال الدين المتشددون في إيران.
يمكن لهذه الاستقالات أن تؤثر على النشاطات الفنية والرياضية في العلن، لكن ليس في وسع أي سلطة مهما تشدّدت أن تمنع الإيرانيين من الاستمتاع بالموسيقى والغناء والمشروبات الكحولية في السر، كما هو حاصل في سائر البلدان ذات الانظمة المتشدّدة مثل إيران، فالماء غالباً ما يجد طريقه ليتسرّب من محبسه.