TOP

جريدة المدى > عام > مــــــا لا يـــــدركــــــه الــــــحـــــلــــــم

مــــــا لا يـــــدركــــــه الــــــحـــــلــــــم

نشر في: 24 أكتوبر, 2016: 12:01 ص

 
لم تحتفظ ذاكرتي بكمّ الأحلام التي تحققت او التي انحدرت صوب ما هو مستحيل إمعانا لغرابة الأفكار التي تتمادى في طرحها غاية لا يدركها الا الضحك المبرر او التصبر بكلمات محفوفة بالرضا او النهي عما يرفضه العقل لترتحل بعيدا عند مؤانسة طيبة تأخذ من ال

 

لم تحتفظ ذاكرتي بكمّ الأحلام التي تحققت او التي انحدرت صوب ما هو مستحيل إمعانا لغرابة الأفكار التي تتمادى في طرحها غاية لا يدركها الا الضحك المبرر او التصبر بكلمات محفوفة بالرضا او النهي عما يرفضه العقل لترتحل بعيدا عند مؤانسة طيبة تأخذ من الليل حكاياتها المعبّأة بالذهول ، ما الداعي لأن ألهو بالقمر كرة او ان امتهر حمارا لأطير به الى السماء ، كيف لي ان أمارس الظل بوصفه ملاذا آمنا لاقتراح الحياة فيما إذا ادعينا بأن الأحلام هي ظلال شرهة لأحداث تتسع للمشاكسة ، في العاشرة من العمر كنت مغرما بركوب الدراجة الهوائية التي حلمت بها على مدى السنتين الفائتتين والتي وجدت من نجاحي مبررا لاقتنائها ، الدراجة كانت هي الحلم الأول الذي تحقق على يد والدي رحمه الله ، في الخامسة عشرة حلمت ان اقبل ميادة البنت المدللة النافرة بالأمل والتي اختزلت بلذتها مرحاً يفضي له الخلق معاناة أمدها التفكر بما تجنبنا الصراحة بالقول ، "أواه لا أحدثكم عن ميادة سأحتفظ بهوائي لنفسي" ، القبلة التي أودعتها كانت بمثابة مضاجعة مسورة بالخيال ادخرتها حرزا لممارسة رجولتي السرية ، في التاسعة عشرة حلمت ان اقرأ سارتر وفلسفته المبهمة لم يسعفني الحظ في تلك الفترة لضراوة ما يحمله سارتر على المؤسسة العسكرية لا الثقافية فحسب لكن الذي حصل هو مكاشفتي من احد الجنود الذي مارستهم الحرب كفائض عن الحاجة ، قال لي بالحرف الواحد ان لم تؤبننا الحروب وهذا واقع حتمي لا مفر منه  فسنغتم بحياة موصدة علينا التفرد بميتة باذخة المعنى – مناورا بكفه الأيسر المتأبط بالكتاب رنين كلامه الموجز- موت يطاوعه القصد بغية الوصول الى الدراية الكونية ،علينا ان نختار نهاية تليق بنا نحن الفقراء ، استشهد صديقي وبقي سارتر يناقش وجودياته الشائكة ، في التاسعة والعشرين تغير من تغير كذلك أحلامي التي لعقتها الفاقة كدليل على تكالب الهموم التي أودعت ملامحنا للذبول ، قديما وفي سطوة حكاياتنا التي تؤرخها النادبات قيل "ان أردت التجلي في المنام ما عليك إلا أن تنسل بمخيلتك طوعا ستسرح عند إي أمنية تفضي لها الوقت ومن ثم ستنعم بنومة هانئة شريطة ان تترك قدميك الهائمتين مكشوفتين للهواء. ستنفث حلما وقته بسعة اللقطة التي اجتذبتك او يتسع فضاؤها بالقليل لكنه سيبخل في إطالته بالتباع بل سيترك من أحداثه مختصرات غايتها الاتكاء صوب أحجية لا تبالغ في تفسيرها للوصول الى لحظة اليقين " ، استعنت بهذا الموروث الذي ساورني في حينها بيد ان تنفيذها بات شقيا جدا فيما اذا تمرغت بلحظة هلامية أخذتني الجلبة والتهليل بأني سأحصدها حلما ،أطلت النظر إلى شجرة البلوط التي لم تزايلني صورتها عند مشاهدتي لها في احد الأفلام الأجنبية والتي أثرتها بفروعها الدانية ، وكذلك الحال إلى صور تترى تمخضت إلى أحلام أرشفت لذلك المخيال العليل تأملاته الكثيرة ، لايفوتني الذكر انه بعد كل ليلة استودعها تأخذ زوجتي المسكينة على عاتقها توثيق الحدث المزعوم بصورة عفوية ، امني النفس مدخرا الصور التي أبصرها لتحكي ما تلحظه من إيماءاتٍ يظهرها الوجه مصحوبة بهنات تلوّح بأصوات يفتقدها التفسير لتنتهي إلى تخمينات مليئة بالضبابية "الحياة ،الأمل، النخلة ،الطيور ،الوطن" ، الوطن ، الوطن، إلا أنها وذات ليلة منزوعة الضياء وعندما كنا نتجاذب أطراف الحديث أخبرتني باني كنت يقظاً طوال المساءات التي مضت ليس ثمة أحلام تدعيها غير ما قضي مع الوقت، قاطعتها بحدة مستدركا الصور التي التقطتها  بالتتابع، استمرت الحالة بصورة يومية على الرغم من انني كنت على يقين مما ادعيه ، يالله مالذي حصل لي ، الشك الذي التحقت به ، زوجتي التي كاشفتني بصراحتها الباردة ، تسمرت قليلا نحو افق يحمل ملامح خيباتنا الممضة ، هل ان ما أتمناه ليس ذا سعة من مساحة الحلم ؟، هل ان أحلامنا شاسعة إلى درجة الرفض ؟، سأترككم لهمكم وأنفذ بنفسي عن تلك القيامة المبثوثة في نشرة الأخبار والتي أترعتني وجعا ، لكم تمنيت من الواقع الذي نعيشه ان يستحيل إلى  كابوسٍ سنصحو على مغادرته -ولو بعد حين- عند ذلك الوهج الجميل المسمى الحياة... أرجوكم املأوني بالصور الجميلة لكن لا تدعوني للنوم  إلى متى ونحن نلوذ بأحلامنا الواهمة ونترك يقظتنا راكسة بالتيه.

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي

كلمة في أنطون تشيخوف بمناسبة مرور 165 عاما على ميلاده

تنويعات في الوضوح

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا

مقالات ذات صلة

الحصيري في ثلاثة أزمنة
عام

الحصيري في ثلاثة أزمنة

زهير الجزائري معي في الصف حتى نهاية الدراسة الابتدائية صبي مميز في مكانه وهيأته واجتهاده. يجلس بوقار في منتصف الصف الأمامي. وهو الوحيد الذي بقي يرتدي دشداشة نظيفة مزررة حتى العنق. شفع له كونه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram