نعم، فقد المسرح العراقي أحد أركانه بعد أن رحل عنه مخلفاً إرثاً غنياً ورائعاً، بل أن المسرح العربي قد خسره رائداً من رواد حركته المعاصرة . فقد حظي العاني بمعرفة العديد من المسرحيين العرب وتقدير ابداعاته في التأليف والتمثيل المسرحي، ولذلك تم تكريمه في حياته الغنية بالعطاء والإبداع الفني من قبل ادارات المهرجانات العربية جميعاً بل حظي بتكريم الدكتور الشيخ سلطان القاسمي أمير الشارقة اعترافاً بقيمته وأثره الفني ودوره الفعّال في تطوير الحركة المسرحية العربية. وما زال المسرحيون المصريون يتذكرون اداءه لدور (بونتيلا) في مسرحية بريخت التي أخرجها الراحل (ابراهيم جلال) بعنوان (البيك والسائق) التي اعدها الشاعر صادق الصائغ، وعندما عرضت اوائل السبعينات في القاهرة وفي الاسكندرية. ومازال الجزائريون يتذكرونه في مسرحية الراحل قاسم محمد المعنونة (بغداد الأزل بين الجد والهزل)، وما زال المغاربة يتذكرونه في مسرحية (مجالس التراث) وكذلك يتذكره مسرحيو تونس وسوريا ولبنان . أما مسرحيو العراق وجمهورهم فسيبقون يستذكرونه على الدوام لأنه كان بينهم ويعيش معهم ويعبر عن آلامهم وهمومهم وطموحاتهم لتغيير حياتهم الى الأفضل كما هو في مسرحياته (تؤمربيك) و(ماكو شغل) و(فلوس الدوا) و(ست دراهم) وفي (الشريعة) و(الخان) ثم (صورة جديدة) و(المفتاح) و(الخرابة) و(نجمة) وفي فيلمه السينمائي الشهير (سعيد افندي) ولذلك فقد كسب بحق لقب (فنان الشعب)، لأن يوسف كان شعبياً في حياته اليومية وفي حياته المسرحية وكان تحررياً تقدمياً في أفكاره وفي توجهاته المبدئية والعملية.
كان هدف يوسف العاني من تأسيس (فرقة المسرح الحديث) بدايته الخمسينات من القرن الماضي هو توجيه الفن المسرحي ليكون اداة للتوعية والتوجيه وبث الافكار المناهضة للظلم والعبودية والاستعمار وبالتالي الوصول الى مجتمع متقدم متنور والى بلد حر وشعب سعيد . كان مسرحه مسرحاً شعبياً بكل معنى الكلمة وكنا معه في ذلك السبيل.بعد كل ذلك العطاء هل يكفي تشييع جثمانه بموكب مهيب يشارك فيه رموز من الدولة وممثلو وزارة الثقافة ووزارات اخرى اضافة الى الفنانين والادباء والأقارب والأصدقاء، أقول هل يكفي ذلك لتكريمه بعد رحيله بعد ان تم تكريم انجازاته في حياته ؟ اقول كلا وألف كلا فذلك لايكفي ، اذا كنا نريد ان نكرّم يوسف العاني فلنعمل مع عدد من المعترفين بقيمته الفنية ومن المتبقين من اعضاء فرقته ، على إحياء الفرقة التي كان من ابرز مؤسسيها واهمهم وهي (فرقة المسرح الفني الحديث) والعمل على إحياء مجدها الفني ومن ثم السير على خطاه في انتاجاتها المسرحية . ولتعمل وزارة الثقافة من جهتها على المساهمة في مثل هذا الإحياء وذلك عن طريق الدعم المادي والمعنوي لأن اسم يوسف العاني اضافة الى ابراهيم جلال وخليل شوقي وزينب وناهدة الرماح وقاسم محمد وفاضل خليل وصلاح القصب وسامي عبد الحميد وفوزية عارف ومجيد العزاوي وعبد الواحد طه، و غيهم الكثير من المبدعين والمبدعات ، اقول ان اسمه والأسماء الأخرى يشكلون جانباً كبيراً ومهماً من التراث المسرحي العراقي الذي لابد لدولة العراق ان تفخر به.
واذا كانت الدولة تدّعي التحضّر ودعم الثقافة وتكريم صناعها ومبدعيها فعليها ان تفكر في إعادة بناء (مسرح بغداد)، تلك البناية المتواضعة التي كان يوسف العاني يقدم أبرز مسرحياته ويبدع أهم ادواره التمثيلية فيها، فذلك هو التكريم الحقيقي لفناننا الراحل وتخليد اسمه ومنجزه الفني. ولتكن تلك البناية المتواضعة التي عرضت فيها روائع الأعمال المسرحية التي اشاد بها فنانون وأدباء وإعلاميون عرب وأجانب شاهدوها ، متحفاً لأعمال العاني وفرقته المسرحية أو مركزاً ثقافياً تقدم فيه أعمال مسرحية من تأليف العاني وإعادة أعمال سابقة لمخرجي الفرقة، وتعقد فيه الندوات الفكرية الخاصة بالمنجز المسرحي لا للفرقة وحسب بل للفرق المسرحية الأخرى وللمسرح العراقي ككل.