في جانب من بحثه الميداني الذي قام به أحد طلبة الدراسات العليا بجامعة البصرة قبل نحو من ثلاثة عقود، عن المخدرات، طلب الباحث من السلطات الأمنية أن يتيحوا له اللقاء بأحد المتهين، فاعتذرت السلطات لعدم وجود متهم لديهم بهذا الشأن. وكان معلوما لدى الجميع بان البلاد نظيفة إلى حد كبير من المخدرات، وطوال عمر البلاد لم تكن لتعرف إلا بوصفها ممراً، وليس مستقراً، كان العراقيون أبعد الشعوب عن هذه. من يبحث في هذا يجد أن العراقي لم يكن ليسمح لنفسه بان يكون ذليلاً، جباناً، هزأة بين أهله وناسه، وظل شجاعاً، غيوراً، صاحب نخوة ومروءة حتى في أصعب الظروف التي مرت به.
ما لا يدركه غالبية أعضاء البرلمان العراقي، الذين صوتوا على قرار تحريم الخمر وتجريم تعاطيها نريد أن نذكّر بأن ثقافة الخمر عند العراقيين، وعلى مختلف العصور جعلت منهم الأكثر غيرة من بين شعوب المنطقة، وهو أمر يدركه العرب مجتمعين، لا لشيء إلا لأنهم لم يتعاطوا المخدرات، كانوا يخشونها لأنها تجعل من صاحبها جبانا، مخذولا، خائفاً، نذلاً، وغداً، قواداً وبلا غيرة على عياله، وهذه صفات يأباها العراقي بفطرته، فضلا عن امتناعه عن تعاطي المخدرات، التي تجعل متعاطيها أكثر سلبية وخنوعاً. وتجمع الآراء على أن العراق ظل ممرا للمخدرات بانواعها من إيران لدول الخليج، ذلك لأن خمرته العرق المحلي،المصنوع من غلاتهم الكثيرة كان قد أمَّنَ حاجتهم للسكر، وجعل من الشخصية العراقية المثال الأعلى للرجولة والبطولة والشهامة من بين أقرانها في دول الجوار.
لا يقبل العراقي أن تتشرذم عائلته، وتضيع امواله، هو حريص كل الحرص على بناء أسرته، لذا لم يتعاط المخدرات التي يعرف على أنها تنتهي بصاحبها الى الإدمان والتحلل الخلقي والنفسي. ظل العراقي يشرب العرق المحلي، لأنه يريد أن يبقى السيد في بيته، القوي الغيور،الحريص على ما بناه وأسس له، فيما نجد أن الرجال الذين يتعاطون المخدرات في الدول المجاروة لنا، مثل السعودية وإيران والكويت وغيرها أقل حرصاً على بيوتهم وبناتهم وأسرهم، مع إحترامنا لهم. امتنع العراقي عن تعاطي المخدرات لأنه شهم وصاحب نخوة وغيرة، وظل العرق المحلي مانحا له الصفات الحميدة تلك، ومن يحضر مجلساً للشرب سيتعرف على الشخصية العراقية بما يجب: فهي كريمة باذخة، فاضلة، شجاعة، وطنية ،غيورة، متسامحة، محترمة وووو ولو عدنا الى صور الأسر العراقية، من كبار وحتى صغار موظفي الدولة، التي كانت تذهب الى النوادي العامة والخاصة في الخمسينات والستينات والسبعينات لتعرفنا أكثر على الزمن المشرق في الأناقة والرقي والتحضر.
كانت الشرطة في البصرة قد ألقت القبض على عصابة في ناحية التنومة على الحدود مع إيران، تعمل على تصنيع مادة الكريستال، وتاكد لها وجود خبيرين أجنبيين معها، وبحسب تقرير الشرطة أيضاً ففي الفترة بين العام2010- 2012 لم تكن لتعثر إلا على واحد كغم من المخدرات، لكن تقاريرها الصحفية تتحدث عن 63 كغم في العام 2016، ويقول خبراء بان مادة الكريستال أخطر من الحشيش والأفيون والمورفين بمئات المرات، وأن متعاطيها غير قابل للعلاج، وان سعر الواحد كغم في البصرة يتراوح بين الـ 18-20 مليون دينار عراقي، ويصل الى 30 مليون في محافظات الفرات الأوسط، وأن متهمين صغاراً يفرج عنهم حين يتدخل الكبار، وأن الملايين تجنى من التجارة الرائجة اليوم.
فيا أعضاء البرلمان: لا تثلجوا صدور الدواعش بقانونكم هذا ولا تجعلوا الشخصية العراقية تنحدر الى ما لا تقبله لنفسها، فهي الكريمة الفاضلة الشجاعة بسبب من ابتعادها عن الحشيشة والمخدرات والكريستال، لا تحطموا الانسان العراقي هذا فهو ضمانة وجودنا، لا تخربوا بيوتنا ولا تهجموا صروح اخلاقنا، كونو العقلاء وفكروا جيداً فيما سيؤول اليهم قانونكم السخيف هذا: وأعلموا ان منع الخمر يعني انتشار المخدرات. وتجارب الدول المحيطة بنا خير دليل، اذهبوا الى الكويت والسعودية وإيران وعاينوا ماذا حل بشبابهم ؟
منع الخمر أم انتعاش سوق المخدرات؟
[post-views]
نشر في: 25 أكتوبر, 2016: 09:01 م