في حلقات السنيفايل الامريكية أثناء حقبة الستينات، كان كل فيلم للمخرج جان لوك غودار بمثابة حدث. نقاد السينما الناشطون أمثال ماني فاربر، أندرو ساريس، وبولين كايل، ومفكرون مثل سوزان سونتاغ وضعوه في الميزان بما يشبه الندوة للنقاش حول مدى قدرة هذا
في حلقات السنيفايل الامريكية أثناء حقبة الستينات، كان كل فيلم للمخرج جان لوك غودار بمثابة حدث. نقاد السينما الناشطون أمثال ماني فاربر، أندرو ساريس، وبولين كايل، ومفكرون مثل سوزان سونتاغ وضعوه في الميزان بما يشبه الندوة للنقاش حول مدى قدرة هذا المخرج في اعادة اكتشاف السينما.
وعلى قدم المساواة كان الضجيج والجدل المحموم في باريس ايضا موطن السيد غودار ذلك الوقت. لكن آنا كارينا الدنماركية المولد والعارضة التي تحولت لممثلة، والتي كانت خلال هذه الفترة ملهمة السيد غودار وزوجته –واحدة من اعظم جميلات الشاشة والرمز الدائم للموجة الفرنسية الجديدة- لاتتذكر هذه الضجة ولا الجدل الثقافي الناشئ عنها. وحينما تستغرق في ذكرياتها حول العمل مع غودار، فان اكثر مايرد على خاطرها هو الحرية والمتعة. تقول (( في ذلك الوقت لم نكن ننظر الى أنفسنا كأشخاص يعيدون تشكيل السينما، على الاقل من وجهة نظري))، تكمل السيدة كارينا والبالغة من العمر 75 عاما، (( انا وبقية الممثلين لم نكن جزءاً من الصناعة، ولم ننضوِ داخل منظومة النجومية. كنا نجري في الانحاء، نصور في الشوارع، نختبئ خلف الاشجار لنضع مكياجنا. كانت طريقة بسيطة جداً للعمل)). كارينا التقت غودار عندما كانت في سن المراهقة، وقتها كان يُحضّر لفيلم (لاهث) ورغب في منحها احد الادوار، لكنها احجمت عن القبول بسبب العُري الذي يتطلبه. وهكذا بدأت قصة الحب بينهما، لتتعمق اكثر اثناء تمثيلهما في احد افلام أريك رومير القصيرة، وثم تكللت بالزواج في العام 1961. عندما كان ناقدا في الخمسينات كتب غودار (أن السينما لاتستفهم عن جمال المرأة، فهي ترتاب من مشاعرها، وتوثق غدرها، ولاترى سوى حركاتها). كارينا التي تصغر غودار بعشرة اعوام، ترى ان العلاقة بينهما كانت اعمق من مجرد (تأثير بجماليون) عليها، فهي تتحدث عنه بتقدير كمعلم لها، وتعتريها بعض الرهبة حين تُشير الى سعة أطلاعه. (( كنا نعي ونُقدر ان مانفعله مختلف من خلال طريقة الاخراج التي يوجهنا بها جسديا. في افلام هوليوود القديمة، الشخصية تدخل للمكان، تُغلق الباب، تُشعل سيجارة، تجلس، تتناول مشروبا. في افلام جان لوك كان عليك فعل كل الأشياء دفعة واحدة، وبعض الأحيان لايتوجب عليك غلق الباب على الاغلب. احيانا اخرى فان سيجارتك لاتشتعل من المرة الاولى. عليك دائما الحركة خلال المشهد بطريقة نشطة وفعالة والتي تبدو اكثر من مجرد تمثيل)). بينما لم يعمل غودار وفق نص أولي، تصر كارينا ان الممثلين لم يكونوا يرتجلون، (( كان يأتينا بنصوص خاصة بكل واحد منا، ونحن نتدرب عليها ونحفظها، ومن ثم يطلب منا أن نقولها مثلما تم تقديمها لنا من قبله)). وتضيف (( ما أتذكره ان المرة الوحيدة التي سمح فيها بالارتجال كانت ترنيمة ذاتية للشخصية (انا لا اعرف ما الذي يتوجب عليَّ فعله) في فيلم بيرو المجنون، والتي كنت ارددها لأني فعليا لم أكن اعرف ماذا أفعل!)). كانت العلاقة بين غودار وكارينا مشهورة بصخبها. وفي هذا السياق تروي آنا قصة مذهلة للزوجين حول رحلة غير مخطط لها نحو جنوب فرنسا بالسيارة، ((ربما لم أكن أفهم جان لوك تماما. خطر على بالي اننا ربما سنحظى بعطلة جميلة في جنوب فرنسا، والمسافة كانت نحو 200 كيلومتر. اثناء المسير نظرت اليه وقلت: تبدو لست سعيداً. رد علي: انا محبط قليلاً، لقد ألغيت لقاء مفترضا مع تروفو في باريس. ثم استدار وعدنا أدراجنا. بعد 100 كيلومتر نظر لي وقال أنتِ لست سعيدة، واستدار بالسيارة وعدنا مرة أخرى، وهكذا كان الامر)). تقول كارينا ان الاضطراب في علاقتهما الشخصية لم ينسحب ويؤثر على عملهما معا الا في وقت متاخر جداً. ولكن حين استذكرت كيف جعلها غودار تؤدي منولوجا صعبا في احد مشاهد فيلم (صنع في الولايات المتحدة الامريكية) بدت ممتعضة من الموقف. ولأنه أصر على بدء التصوير فوراً، فكان لتشككها وسخطها ما جعل المشعد يظهر كما لو أنها كانت منزعجة من شيء ما قد حدث بالأمس. (( لقد سعى لإظهاري كغبية، لقد فعلها عن قصد)). بعد الانفصال عن غودار اختارت الظهور بأدوار تعاملت فيها مع مشاهير نجوم السينما العالميين، فعملت مع مخرجين بارزين مثل جورج كوكور وتوني ريتشاردسون. وعن تحويل رواية فلاديمير نابوكوف (ضحكة في الظلام) الى فيلم تقول (( لقد كان خطأ من ريتشاردسون ان يُغيّر زمن الاحداث من ألمانيا قبل الحرب الى لندن المعاصرة مع كل تلك التنانير القصيرة والبهرجة)). من الواضح ان السيدة كارينا تحمل التقدير لعملها مع غودار مع كل الفخر والمودة، تقول (( انه لأمر مؤثر جدا فأينما اذهب ارى شبابا يافعين يأتون لمشاهدة افلامنا، سواء في اليابان، كوريا الجنوبية، امريكا، وفرنسا. لقد بدت الافلام كما لو أنها حديثة وليست من طراز قديم، نضرة وتلمس قلوب الناس وأحاسيسهم. أنها أروع هدية منحها غودار لي)).