اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > متى ستنضج ثمرة الذائقة؟

متى ستنضج ثمرة الذائقة؟

نشر في: 28 أكتوبر, 2016: 09:01 م

لا أحد في هذا العالم لا يحب ان تقام تماثيل ونصب وشواهد فنية تمثل وتشير الى شخصيات مهمة ومؤثرة في البلد الذي يعيش فيه أو ينتمي اليه. هذه من بديهيات المعرفة والثقافة والارتباط مع القيم والرموز المهمة، والاشارة الى ما قدمته هذه الشخصيات من إنجازات استثنائية وإضافات جمالية لوجه البلد الحضاري. الانسان السوي والعادل والجميل سيفرح بالتأكيد وهو يرى في هذا الشارع تمثالاً لموسيقي مهم، ووسط ذلك المتنزه نصباً لشاعر عظيم، وعلى ناصية هذه الاستدارة عمل يشير الى بهجة الحياة ويضيف التماعة جمالية تنتمي الى روح البلد. ستنتعش الثقافة، وستفرح الناس بشكل عام وهي ترى مدنها تتزين بأعمال فنية راقية وجميلة وممتعة بصرياً. ليس الناس فقط، بل المدن نفسها ستشعر بالسعادة وتتحول الى عرائس، وهي تفتح ذراعيها لتحتضن اعمالاً فنية تشير الى مبدعيها وابنائها الذين رحلوا وتَرَكُوا خلفهم تاريخاً حافلاً بالانجازات والجمال والمعرفة.
لكن مع كل هذه المسلمات والثوابت التي لا يختلف عليها احد تقريباً، يظهر سؤال مهم وحقيقي في الأفق، يقترب السؤال منّا أكثر ليطرح نفسه بقوة ويقول، ما جدوى نصب مثل هذه (الاعمال الفنية) اذا كانت لا تشير بشكل جميل الى الجمال الذي تركه هؤلاء العباقرة؟ وبمعنى آخر، ماذا نريد ان نقول ونحن نضع أعمالاً في اماكن عامة، هي في الحقيقة ليست اعمالاً فنية ولا تملك مواصفات جمالية إيضاً، لأنها في واقع الحال عبارة عن كومة من البرونز لا اكثر ! وكأن من اختارها وقدمها يبدو هنا مثل شخص يريد ان يقدم لنا وردة، وهو لا يعرف شكل الوردة ولا لونها ولم يستنشق عطر رحيقها من قبل. بهذه الطريقة ستمتزج حياتنا بالكثير من القبح والتراجع والخيبات الفنية والثقافية، وعلينا -أكثر من أي وقت مضى- ان نجد الطرق والحلول لذلك ونثير التساؤلات، فإذا لم ندافع عن جمالنا بطريقة صحيحة، ستعم الفوضى بدلاً من التناسق، وسيواجهنا التنافر وهو يغتصب المكان ويستولي عليه بشكل عشوائي، ليغلق الطريق امام التكوينات الجميلة. الدنيا مليئة بالجمال، وشِبّاك الحياة مفتوح على تنوع مدهش ورائع ويلهمنا الكثير، فَلِمَ هذا الإيغال في القبح وَلِمَ كل هذه الضغينة ضد الجمال الذي نتمناه لبلدنا، هذا البلد الذي كان وما يزال منجماً لمبدعين وعباقرة كبار على كل الصعد؟ لماذا يصر البعض على وضع تماثيلٍ، هي في الحقيقة ليست تماثيل فنية، وإقامة نصب هي في واقع الحال (نَصْب) على الجمال في وضح النهار؟
اذا لم تستطيعوا اختيار اعمال جميلة ومناسبة فدعوا الشوارع فارغة من التماثيل الى ان يتماثل البلد للشفاء ثقافياً، واتركوا الفضاءات مفتوحة الى ان تنضج ثمرة الذائقة. البرونز موجود في كل مكان في العالم، لكن الناس في أرجاء المعمورة لا يدلقونه هكذا في الطرقات دون حسابات جمالية وفنية وشروط تتعلق بمواصفات العمل الفني والمكان، ودون النظر الى تأثير كل ذلك بصرياً على الناس. اكتب حول ذلك لأَنِّي رأيت أعمالاً صُنِعَتْ على عجل، لتمثل شخصيات عراقية مهمة، وقد وضعت في أماكن معروفة وسط بغداد. فمن تمثال جواد سليم الذي وضع قرب سياج متحف كولبنكيان، الى تمثال الجواهري الذي تربع في اتحاد الأدباء، مروراً بالمنحوتات الغريبة التي وضعت في أماكن عديدة اخرى. وهكذا تمتلئ الأماكن والساحات بأعمال هابطة ولا تملك المواصفات المطلوبة. لماذا لا تٌكَلَفُ جهات مختصة بتحديد ذلك وتختار الأعمال المناسبة والمهمة والجميلة عن طريق إقامة المسابقات التي تشرف عليها لجان تحكيم تملك الشروط لذلك مثلما فعلت جمعية التشكيليين قبل فترة وجيزة بإقامة مسابقة لنصب يمثل كارثة الكرادة، والتي فاز بها عمل النحات المبدع هيثم حسن. أرى ان جمعية التشكيليين ووزارة الثقافة هما الجهتان المناسبتان لتبني هكذا مشاريع جمالية وتاريخية مهمة، وإلا ستمتلئ أماكننا الجميلة بأعمال لا تمت للجمال بصلة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram