انحسرت حمى انتظار جائزة نوبل للآداب بعد أسابيع من المراهنات والنقاشات حول أحقية الروائي الفلاني او الشاعر فلان بالجائزة المرموقة التي تستمد مالها من جذر دموي لأحد مخترعات الموت الفاتكة . إذ شاء الفريد نوبل عبر الجائزة السخية التكفير عن اختراعه القاتل وربما فكر برشوة الضمير الانساني ليكف عن مناوأة الاختراعات العلمية القاتلة ويصمت عن وصمة نوبل الأبدية.
بهت كثيرون واندهش آخرون حين أعلن فوز المغني الامريكي بوب ديلان ، وكرست صحف أوروبية وأمريكية وعربية صفحات لاستفتاء آراء المثقفين في بلدانها حول صواب قرار لجنة نوبل أو خطله وأدلى الكثيرون بدلوهم وكتبت على صفحتي في الفيس بوك سطرا مفاده : كنت أتمنى فوز ميلان كونديرا حسب..
انشغل كتاب وشعراء المواقع الإكترونية وكتاب الصحف ووسائل التواصل بانتقاد قرار الاكاديمية السويدية والسخرية منها وانبرى كتاب عرب للدفاع عن بوب ديلان وأحقيته بالجائزة المرموقة بحماسة بدوية قل نظيرها وكأن بوب ديلان الفنان الراسخ الثري بمنجزه وأمواله ومواقفه المشهودة بحاجة إلى ( فزعة ) عشائرية من جماعتنا المتحمسين، في الوقت الذي لم يظهر ديلان اهتماما بالموضوع بل التزم الصمت وواصل تقديم حفلاته في لاس فيغاس. وبعد أيام نشرت صحيفة سويدية بيانا للمتحدث باسم ديلان يشير فيه إلى عدم اهتمام ديلان او قبوله بالجائزة وأشار بما معناه بأن فوزه بجائزة نوبل موضوع كوميدي ؛ فالجائزة محافظة ومناقضة لروح التمرد والحرية التي يلتزم بها ديلان ، ونأى الفائز بنفسه عن أي تصريح يفهم منه القبول المعلن أو الرفض القاطع ، بينما خصصت الصحف العربية مساحات واسعة أعادت الى الاذهان جماليات أغانيه ومواقفه الانسانية ورفضه العنصرية والحروب والسياسة الامريكية وبقي حشد من المبهورين بالمغني الامريكي يهللون لأحقية ديلان بالجائزة . ثم انتهى الموضوع باسدال ستار غامض من الصمت على الحدث وطغت على صحفنا ومواقعنا الالكترونية اخبار معركة تحرير مدينة الموصل من هيمنة مجرمي داعش وغمرتنا بشائر الانتصارات التي تحققت في تطهير عدد من القرى المسيحية والايزيدية من فلول التنظيم الوحشي، وفي غمرة انشغال الجميع بأفراح الانتصارات وتشييع شهداء التحرير كانت تلوح في الأفق سحب سود من مخاوف مابعد دحر داعش، مخاوف على مصير التعددية الاثنية والدينية والقومية في بلادنا بفرض نظام ديني متشدد لايختلف في حقيقته عن تشدد داعش، فإذا بجهابذة البرلمان العراقي من الاحزاب الاسلامية المتحالفة يصوتون على قرار تحريم وتجريم صناعة وبيع الخمور وتداولها وكأنهم يوجهون ضربة قاصمة وتهديدا معلنا للمكونات العراقية الأخرى التي تحررت قراها من هيمنة داعش ويعلنون بوقاحة منقطعة النظير: لا دولة مدنية ، لاحقوق للمكونات غير المسلمة ، لاحقوق مدنية ، لديكم خيار واحد : إما الخضوع للدولة الدينية الموازية لداعش أو مغادرة بلادكم التي عشتم فيها منذ آلاف السنين ، فهم بإقرارهم لهذا القانون يكونون قد خالفوا الفقرة "ج" من المادة الثانية في الدستور العراقي التي تقول (لايجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور) كما خالفوا مضمون المادة 44 الذي تحظر نفي وتهجيرالعراقي فيغدو سلب الحريات الشخصية دعوة معلنة لنفي المواطنين وتهجيرهم وحرمانهم من حق العيش في ظل تعددية كفلها الدستور، بفرضهم اسلوب عيش بالطريقة الداعشية ذاتها التي ترفض الديموقراطية وتسلب الحقوق المدنية وتكبل الحريات الفردية في المأكل والمشرب والملبس فكأن قانونهم هذا عبوة ديناميت نوبلية ثأرية أعدت خصيصا لاغتيال حق المواطنة والدولة المدنية.
نوبل وديلان وقوانين البرلمان
[post-views]
نشر في: 29 أكتوبر, 2016: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...