اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > من قتل نزار إلياس القس في البصرة؟

من قتل نزار إلياس القس في البصرة؟

نشر في: 29 أكتوبر, 2016: 09:01 م

 

لم يمض سوى يومين على تناقل وسائل الإعلام خبر إقرار قانون منع وتجريم بيع وتناول الخمور من قبل البرلمان العراقي، حتى أُعْلِن في البصرة عن مقتل صاحب مخزن الوطني، نزار الياس، من قبل مسلحين مجهولين، بتهمة بيع الخمر، لم يكن نزار ليبيع الخمر في دكانه إنما يبيعها سراً، وعلى دراجته، خائفاً، متخفياً، مرعوباً على الرغم من علاقته الطيبة مع رجال الشرطة.
لم يكن نزار أول مقتول يبيع الخمرة سراً، في البصرة، فقد سبقه كثيرون، منذ أن صوّت مجلس محافظة البصرة على قراره الشهير بمنع بيع وتداول الخمور في المحافظة، قبل أكثر من سبع سنوات تقريباً، ومنذ أن قامت السلطات الأمنية بغلق محال البيع في شارع الوطني، المملوكة كلها من قبل المسيحيين، استغل جيل جديد من الباعة، كلهم من المسلمين، الفراغ الذي تركه هؤلاء، وبدأوا مشواراً جديداً، عملوا في الباطن، عبر تجارة عريضة، اعتمدت عشرات الطرق السالكة في التهريب من بغداد الى البصرة، في ممارسة سوداء، وسلسلة مغامرات اكتسب أصحابها الخبرة والجرأة، سرعان ما أصبحت ظاهرة في المدينة، بملايينها الثلاثة، التي لم تكن حديثة العهد بالشرب في البارات والنوادي الاجتماعية والفنادق وغيرها.
ينفع هنا، أنْ نذكر أنه، ومنذ أن أصدر صدام حسين قراره بغلق البارات والنوادي الليلية، في العام 1992 -1993 ضمن حملته الايمانية الشهيرة، التي سمّى نفسه فيها بـ عبدالله المؤمن، وأغلقت البارات في شارع الوطني وعموم البصرة، حتى تحولت المحال والمتاجر الصغيرة والكبيرة ومثلها أصبحت دكاكين النجارين والحدادين  والخياطين  والسمكرية والبقالين ومئات الآلاف من البيوت الى ما يشبه البار، أو لنقل بارات مصغرة، فقد نقل هؤلاء خمرتهم من المكان المعلن ذاك، الى المكان السرّي هذا، وفي غضون سنوات قليلة صار ربُّ الأسرة يشرب أمام زوجته وأبنائه وصارت الزوجة والبنت يرتبان طاولته ويعدُّان المزّة له، وبعد أن كان يدخل بيته خلسة،مهيباً، خشية أن ينفضح أمره، صار أهل البيت كلهم يعرفون متى يسكر ومتى يفيق .
كان صدام حسين يقصد ويعلم ماذا يريد، فقد كانت التيارات المدنية والدينية تقف بالضد من سياسته، ولكي يحطم النسق المعارض ذاك راح يفكر بتحلل الاسرة من الداخل، وهكذا، جعل أمر شرب الخمرة يدخل البيوت ويسهم في تفكيك الاسر، بعدما كان مضيّقاً عليه، محصورا في امكنة خاصة، بعيدا عن أعين النساء والاطفال، في فعل قبيح الغرض. ويتذكر سكان البصرة أنَّ أيَ ربِّ أسرة، أيّ واحد، ومهما كانت حاجته، لن يجرؤ  على أخذ زوجته او أحد أبنائه، ماشيا في شارع الوطني، على سبيل المثال، فالشارع مخصوص للبارات والنوادي والملاهي، وهو شارع لليل والسهر وقضاء حاجة الجسد من الخمرة والنساء والموسيقى والطرب، وهو بعين السلطة دائماً، مراقَب، معلوم من قبلها، وهي تمنع دخول من لم يبلغ الثامنة عشرة.
مجلس محافظة البصرة، وصاحب الفكرة الشهيرة والخاصة بقبوله  لدخول مئة سيارة مفخخة ولا سيارة عرق واحدة للبصرة، كرروا الفعل الذي أقدم عليه صدام حسين، لا بل، ذهبوا الى أبعد من ذلك، إذ لم يحدث أن سمعنا بمقتل بائع خمرواحد آنذاك. لكننا صرنا نسمع بين الفينة والأخرى عن مقتل هذا وذاك من الباعة والسماسرة ومصادرة سيارة محملة بالويسكي وغير ذلك. ولا نزيد في علمهم شيئاً، إذا قلنا إن ما حدث ويحدث اليوم، من رواج تجارة تهريب الخمور من بغداد وبيعها في البصرة، إنما كان بسبب من قرار المنع هذا، والمشكلة الكبرى، أننا  لم نسمع يوما بشحّها، فهي معروضة لكل من يطلبها، هنالك جيش من الباعة،  ينتشرون في كل مناطق البصرة، وهنالك عشرات الطرق المتاحة وغير المتاحة لوصولها للمدينة، ومن ثم للشاربين، وأعلم المجلس الموقر بانها من الوفرة بما يسد الحاجة اليومية، ولا يعاني أصحابها من شح فيها، وسوى ارتفاع سعرها عن بغداد لا توجد مشكلة لديهم.
السؤال الجوهري يقول: ترى، ما قيمة قرار المنع والحظر هذا الذي تبناه المجلس الموقر، إذا كانت الخمور متاحة الى الحد هذا، ولماذا تسهم الحكومة بانتشارها ودخولها البيوت والمحال التجارية ودكاكين العمل، وهي القادرة على تحديدها وتحجيمها ضمن ضوابط وإجراءات قانونية، ثم لماذا تُسهم، من حيث تعلم او لا تعلم، بمقتل العشرات من هؤلاء الباعة والمتاجرين، غير الممتنعين عن تهريبها بسيارات الأجرة والحمل وحتى الستوتات، بسبب من أنها تدر عليهم الأرباح الطائلة- زجاجة العرق في بغداد لا تتجاوز العشرة آلاف دينار، لكنها تباع في البصرة بثلاثين ألفا وعلبة البيرة بألف دينار في بغداد لكنها في البصرة تباع بخمسة آلاف دينار.
الآن، وبعد فشل اللجنة القانونية في البرلمان في إقرار القانون نتيجة الضغوط والسخرية التي تعرض لها من تبنى القانون، ترى، ما الحكمة التي يريدها مجلس محافظتنا الموقر من قراره اللاموقر هذا؟ أيسره مقتل المسكين نزار، وهو الذمّي، المسيحي، الذي لا يُحسن إلا العمل الذي توارثه عن أهله، المتغرب عن بلدته في الموصل، أيفكر مجلسنا بالمزيد من المقتولين القادمين، على أيدي المسلحين المجهولين، الذين لا تجرؤ السلطات الأمنية على تتبعهم ومعرفتهم، ثم، لماذا لا تفكر بحلول قانونية، يتحكم فيها العقل والضمير والمسؤولية، بعد فشل قرارهم الهزيل ذاك، أيعلم مجلسنا الموقر بأن 90% من تجار ومهربي وباعة الخمر اليوم هم من المسلمين الشيعة، تحديداً، أيعلم مجلسنا بان معظم هؤلاء يعملون على وفق تنسيق وتفاهم معلوم المبلغ مع رجال الشرطة، أي أنهم يعملون تحت أنظار الشرطة، وكل حسب منطقته، وان السيارات المحملة بالخمر والتي يُلقى القبض عليها تباع قرب مراكز الاحتجاز، وأن شرطيا واحداً باع في ليلة واحد بـ 11 مليون دينار عراقي ثم هرب الى جهة مجهولة، وأن ضباط المراكز لا يعانون من شح في بيوتهم، فهم  يكرعون مما يتصيدونه من الذين لا يدفعون اليهم في شارع بشار وشارع الوطني؟
دفع نزار ما يكفي من قناني الويسكي وكارتونات البيرة الى هؤلاء، لكن الشرطة لم تكن قادرة على حمايته بعد قرار البرلمان، لقد أعطى البرلمان لهؤلاء المسوغ الشرعي والقانوني للقتلة.

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram