adnan.h@almadapaper.net
بالضدّ من قرار السلطة في طهران، جرى في إيران أول من أمس أكبر تجمع شعبي تشهده البلاد منذ التظاهرات المليونية التي احتجّت على إعادة "انتخاب" الرئيس محمود أحمدي نجاد لولاية ثانية في العام 2009على حساب منافسه المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي.
مناسبة هذا التجمع غير المرخّص إحياء ذكرى الملك الفارسي الإخميني كورش الأكبر الملقب بـ " ذو القرنين" الذي حكم بلاد فارس في الربع الثالث من القرن السادس قبل الميلاد، وامتد سلطانه إلى ممالك ميديا وليديا وبابل.
التجمع الاحتفالي جرى في موقع أثري في باسارغاد القريبة من مدينة شيراز الجنوبية، وشارك فيه الآلاف من الإيرانيين من ذوي النزعة القومية الفارسية الذين يفخرون بتاريخ كورش ومنجزاته. والاحتفال هو باليوم الذي غزا فيه كورش بابل فأسقط مملكتها وأعلن المساواة بين جميع البشر وحرّر العبيد ومكّن اليهود من العودة الى ديارهم في فلسطين القديمة كما تقول كتب التاريخ. وإلى هذا الملك تُنسب "إسطوانة كورش" التي عُثِر عليها في خرائب بابل، وتضمّنت ما توصف بأنها أول وثيقة لحقوق الإنسان في العالم.
المهم في هذا الأمر أن آلاف الإيرانيين قد تحدّوا قرار السلطات الحكومية وأحيوا المناسبة برغم الحظر القائم ومساعي الشرطة لغلق الطرق وتحويل مسارات المرور عن الموقع الأثري القديم.
في هذا رسالة إلى حكّامنا الإسلاميين، الذين ينظر الشيعة ،منهم على وجه الخصوص ،إلى النظام في إيران بوصفه قدوة ومثلاً. النظام الإيراني بكل جبروته لم يستطع منع هذه الأعداد الغفيرة من مواطنيه من الاحتفال بمناسبة محظور إحياؤها منذ قيام نظام الجمهورية الإسلامية قبل أكثر من ربع قرن. ولم تكن هذه هي المرة الأولى لتنظيم هذا الاحتفال، فمنذ بضع سنوات يجري هذا الاحتفال، لكنه هذه المرة كان كبيراً على نحو لافت، بل إنّ المحتفلين ردّدوا في الاحتفال الأخير شعارات سياسية طالبت باحترام حقوق الإنسان في إيران.
حكّامنا الإسلاميون لا يأخذون العبرة من تجارب الحاضر أو من خبرة التاريخ وميراثه .. إنهم يريدون فرض قوانين رغماً عن إرادة الناس، وهي قوانين لن تجد طريقها الى التطبيق عمليّاً، مثلما لم تجد قوانين وإجراءات طريقها الى التطبيق في إيران نفسها بعد 27 سنة من تشريعها، وبينها ما يتعلق بمنع تناول الخمور والمخدرات والاتّجار بها. ففي إيران تزدهر الآن التجارة السريّة لهذه الممنوعات بأضعاف ما كانت عليه علنية في عهد الشاه.
من حيث يدرون أو لا يدرون، فإن أعضاء مجلس النواب الذين سلكوا طريق المخادعة والمخاتلة واللصوصية ليدسّوا في اللحظة الأخيرة فقرة في قانون واردات البلديات تحظر الخمور، إنما يدفعون الناس في هذه البلاد لإيجاد سوق سوداء للخمور، وهي سوق قائمة بالفعل في المحافظات الوسطى والجنوبية المحظور، على نحو غير قانوني، بيع وشراء وتصنيع الخمور. بل إنهم يدفعون بالناس للاتّجاه نحو المخدّرات التي تأتينا في الغالب من إيران.