TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > ليست الثقافة يا ....

ليست الثقافة يا ....

نشر في: 6 فبراير, 2010: 05:13 م

فريدة النقاش كلما وجهت لجنة اتفاقية إلغاء التمييز ضد المرأة سؤالا للوفد الحكومي المصري الأسبوع الماضي في جنيف حول أوضاع النساء كان الرد يأتي سريعا: إنها الثقافة. والثقافة هي الشماعة السهلة جدا التي يعلق عليها بعض السياسيين فشلهم حين يكونون في السلطة في تغيير الواقع إلي الأفضل ونقد المفاهيم القديمة والتقدم بشجاعة صوب إصلاح الفكر الديني وحين تتدهور قيم وتبرز أشكال سلوك معيبة،
 يتراجع التضامن بين الناس، وتنحدر العلاقات الاجتماعية إلي أسسها الأولية جدا، فتبرز الروح القبلية والعشائرية والمناطقية والأسرية لتحل محل الانتماء للوطن الواحد كما هو حادث في مصر الآن، وتدور صراعات مريرة بين القبائل والعشائر والأسر يسقط فيها قتلى وجرحى، وتتراكم المرارات والإحن والثارات التي تتوارثها الأجيال، ويسقط من جرائها الضحايا.ولعل أخطر ما تحدثه هذه الانتماءات الأولية والبدائية إلي حد كبير هو التعتيم علي الصراع الاجتماعي وتحويله إلي قنوات فرعية، إذ ينقسم الصراع الاجتماعي إلي قسمين كبيرين علميا هما الصراع الطبقي والصراع الجنساني، ويدور الصراع الطبقي بين المالكين والكادحين، وهو في المجتمع الرأسمالي صراع بين الرأسماليين من جهة والطبقة العاملة وحلفائها من فلاحين وأجراء عامة من جهة أخرى.أما الصراع الجنساني والذي يحلو للبعض - من باب الاختزال - أن يصوره خطأ كصراع بين الرجل والمرأة، فواقع الأمر أنه صراع النساء ضد المجتمع الأبوي الذكوري ونظمه التمييزية، إذ إن كلا من المفاهيم والروح الأبوية الذكورية التي تأسست علي مدار آلاف السنين منذ سقط المجتمع الأمومي ونشأ المجتمع الطبقي وتميز ضد النساء هي روح متغلغلة بقوة في أوساط رجال ونساء علي حد سواء، فالذكورية والأبوية هي عقلية الوصاية والتسلط، وهي وثيقة الصلة بكل أشكال الاستبداد والدكتاتورية أيا كانت الراية التي تقف تحتها.والتعتيم علي الصراع الاجتماعي بشقيه الطبقي والجنساني يزيح الأسس الموضوعية للصراع بين البشر حول السلطة والثروة، وقد كان الصراع حول السلطة والثروة علي امتداد التاريخ الإنساني هو الأساس الأول الذي قامت عليه الثقافة باعتبارها منظومة من القيم والأفكار والتصورات والرؤى والأخلاق والفن وأنماط العيش والتي بقيت دائما علي صلة وثيقة بالحضارة التي هي الإنجاز المادي المتحول للبشرية والذي يتطور عند كل اكتشاف كبير جديد وتتغير معه الثقافة وإن ببطء.فمن المعروف علميا ومن دراسات تاريخ الأفكار والقيم والرؤى البشرية والديانات والفلسفات أن الثقافة تعيش طويلا بعد زوال الأساس الحضاري أو المادي الذي تأسست عليه ولكن هذه الحقيقة لا تنفي القاعدة التي اختبرتها البشرية عبر مسيرتها الطويلة والتي تقول لها إن كل شيء يتغير وأنه لا شيء ثابت غير قانون التغير ذاته.ولأن السلطة القائمة في مصر هي ذات طابع طفيلي وريعي شعارها المخفي هو اللي (تكسبه العبه) كما يقول المثل، وللكسب طرق كثيرة.. بعضها غير مشروع.. بل أغلبها في حالة النهب الشائعة في مصر الآن.والإبقاء على العالم القديم بأفكاره ورؤاه هو آلية من آليات إخضاع الشعب ودوام السلطة للنظام الحاكم.فلو أن الحكم يريد حقا أن يغير المفاهيم والأفكار حول وضع المرأة - علي سبيل المثال - لاستخدام الأدوات التربوية التي يملكها وعلى رأسها مناهج التعليم وبرامج الإعلام الحكومي وتوجهات المؤسسات الدينية التي يتحكم النظام فيها، وقوانين الأسرة التي يملك الأغلبية الكافية لتنقيتها من كل ما يميز ضد النساء، وبذلك يمكن أن يساعد في بناء علاقات جديدة داخل الأسرة تقوم على العدالة والمساواة والاحترام، بدلا من مفاهيم التسلط والطاعة والتفسير البالي للقوامة. باختصار هناك أدوات جبارة يملكها الحكم يمكنه أن يغير بها الثقافة في اتجاه الأهداف التي يتشدق بها ويمارس ما هو على العكس منها تماما، ولذا تنتقل مهمة التغيير الثقافي الشامل إلى القوى الديمقراطية التي تتطلع لمستقبل ولكن أدواتها ما تزال ضعيفة وقاصرة.. إنها السياسة إذن وليست الثقافة.. يا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram