علاء خالد غزالةالسادس من تشرين الثاني، 2009. الميجر نضال مالك حسن، المواطن الاميركي من اصل فلسطيني، يفتح النار في قاعدة فورت هود، بولاية تكساس، على زملائه من الجنود الذين يستعدون لنشرهم في افغانستان فيقتل ويصيب حوالي خمسين منهم قبل ان تنال منه الاطلاقات الدفاعية، وان لم تؤد الى قتله.
الخامس والعشرين من كانون الثاني، 2006. يوم عيد الميلاد. المهندس الشاب عمر فاروق عبد المطلب، المواطن النيجيري الذي حصل على درجته الجامعية من بريطانيا، يحاول ان يفجر طائرة نورويست قبيل هبوطها في مطار ديترويت، لولا تدخل ركاب الطائرة ونجاحهم في منعه من اشعال صاعق القنبلة التي كان يحملها في ملابسه الداخلية.الثلاثين من كانون الثاني، 2009. الطبيب هشام البلوي، المواطن الاردني المقيم في افغانستان يفجر نفسه وسط حشد من ضباط السي آي ايه فيقتل سبعة منهم بالاضافة الى ضابط مخابرات اردني من العائلة المالكة.ثلاثة احداث وقعت خلال شهرين في ثلاث مناطق مختلفة، لكن يربطها جميعا رابط واحد: تنظيم القاعدة. وكما هو متوقع فان اسم القاعدة يرتبط بالتفجيرات والعنف والتحريض عليه، وباستحلال سفك الدماء تحت مبررات عديدة، بعضها مجرد استغراق في الاستعمال الى حد الاستهلاك. غير ان من المؤكد ان لدى القاعدة اهدافا تتجاوز مبررات افعالها التي يقشعر لها البدن، ويندى لها الجبين. فماهي هذه الاهداف، وما هي الغاية التي تسعى القاعدة لتحقيقها بلا كلل ولاملل؟ هل هي لتحرير فلسطين من الاحتلال الاسرائيلي؟ ام من اجل تحرير العراق وافغانسان من الاحتلال الاميركي؟ هل تهدف القاعدة لتحرير المستضعفين من الظلم والعدوان، ام لاقامة كلمة الله على الارض؟ هل تريد القاعدة ان تحيي الدين الذي تؤمن به، ام انها تخلق دينا جديدا تفرضه على البشر اجمعين؟بدءا، لا يمكن فهم فكر تنظيم القاعدة على نسق الاصول التقليدية للفكر الانساني. فاي محاولة لتطبيق الجدل المنطقي على ادبيات القاعدة، بالاضافة الى نشاطاتها العنيفة غالبا، لابد ان تبوء بالفشل، بسبب ابتعاد تلك الادبيات والنشاطات عن العرف السائد في طرح الفكرة ومناقشتها. فهذا التنظيم لا يلجأ الى طرح الحجج المنطقية واستخدوم اساليب الاقناع المتعارفة، بل يتمترس بقداسة النصوص السماوية، معتبرا الخوض فيها خروجا عن اصول الدين، وبالتالي يتوجب الاذعان بدون مناقشة او محاججة. وهو غالبا ما يعمم المخصص عند تناوله للنص المقدس. كما ان القاعدة كفكر كثيرا ما تخرج في ادبياتها من مقدمات هزيلة بنتائج يقينية، بدون الحاجة الى الفحص والبرهان. وهي لا تحض على التفكر والتأمل، بل على الثأر والانتقام. لنعد الى الاحداث التي اشرت اليها في صدر هذا المقال، حيث ذكرت ان الرابط فيها هو تنظيم القاعدة. لكن ما يدعو الى التأمل هو قدرة القاعدة على تجنيد نخبة الناس من اجل تحقيق مكاسب آنية، تتمثل في ضرب اهداف عشوائية لا تخرج منها باكثر من تهليل اعلامي بين انصارها، بغض النظر عن الاستنكار الواسع النطاق لهذه الافعال بين ابناء دينها وقوميتها العربية في الاصل.بل ان ما يدعو للعجب اكثر من ذلك عدم سعي القاعدة لاستثمار تلك النخبة من اجل اهداف ابعد مدى، تعود عليها بفائدة اكثر ديمومة. لكن قادة القاعدة لا يرومون، فيما يبدو، ان يحققوا غاية ما. فهم لايريدون ان يقيموا دولة تدعو لمفاهيمهم ومبادئهم. وهم فشلوا في الاحتفاظ بتلك الدولة حينما استطاعوا فعلا ان يقيموها في افغانستان. هذا الفشل لم يكن بسبب العدوان الاميركي-الاطلسي عليهم، بل بسبب تعديهم على هذا الحلف الذي لا يشق له غبار في سوح الحرب الكبرى. ربما نجحوا في قض مضاجع الاميركيين والغربيين في العراق وافغانستان والصومال واليمن، لكنهم لم يستطيعوا ابدا ان يغيروا مجرى الاحداث بما يحقق امانيهم، او ان يحولوا مسار التاريخ لتمجيدهم.كنت قد كتبت مقالا بعد هجوم الميجر نضال في قاعدة فورت هود، نشر على صفحات (المدى)، حاولت فيه ان استكنه سبب الهجوم ودوافعه. وقد خرجت بنتيجة ان الهجوم لم يكن من تدبير القاعدة، وان كان بوحي منها. واستندت في ذلك الى انه لو كانت القاعدة جندت الضابط الاميركي لخدمتها، ما كانت لتتخلى عنه من اجل ضربة خاطفة، مهما تكن موجعة. فذلك الطبيب الاميركي كان سيرسل قريبا الى افغانسان، وبالتالي فسوف يكون مصدرا مهما للمعلومات بالنسبة للقاعدة، يغذيها بما يجنبها الضرر، وما يعود عليها بالنفع. لكني كنت حتى ذلك الوقت ارى ان لابد للقاعدة من فكر تنظيري، وان عسر على الفهم.واليوم بت اعتقد انها خلو من مثل هذا المنهج الفكري. وانها لا تعدو ان تكون عودة بالدين الاسلامي الى عهد الجاهلية، الى الغزوات البدوية التي لا يبررها سوى الرغبة في التسلط والتسيد بقوة السلاح. يستقي هذا التنظيم افكاره المشتتة من احداث بعينها، ليبني عليها نظرية اصولية متطرفة، بل عنصرية شوفينية مقيتة لا ترى صلاحا في الاخر، تحل قتله بلا وازع من ضمير، او رادع من دين.في اوائل فترة الغزو الاميركي للعراق، وقعت وثيقة موقعة من ابي مصعب الزرقاوي، قائد هذا التنظيم في فرعه بالعراق، بايدي المخابرات الاميركية. تحث هذه الوثيقة على قتل ابناء الطوائف العراقية من اجل خلق الفتنة بينهم، وجرهم الى حرب اهلية. ولو كان الهدف من ذلك الوصول
تنظيم القاعدة بين عشوائية الفكر واعتلال المنهج
نشر في: 6 فبراير, 2010: 05:15 م