TOP

جريدة المدى > عام > لقاء مع كاثرين ابنة البير كامو حول رواية "الرجل الأول"

لقاء مع كاثرين ابنة البير كامو حول رواية "الرجل الأول"

نشر في: 31 أكتوبر, 2016: 12:01 ص

في كانون الثاني من عام 1960 قتل الكاتب والفيسلوف الفرنسي البير كامو في حادث سيارة مع صديقه الناشر ميشيل غاليمار. وقد جرى إنقاذ مخطوطة آخر رواية غير كاملة لكامو بعنوان "الرجل الأول" من حطام الحادث. منح كامو في عام 1957 جائزة نوبل للأدب تقديراً لروايتي

في كانون الثاني من عام 1960 قتل الكاتب والفيسلوف الفرنسي البير كامو في حادث سيارة مع صديقه الناشر ميشيل غاليمار. وقد جرى إنقاذ مخطوطة آخر رواية غير كاملة لكامو بعنوان "الرجل الأول" من حطام الحادث. منح كامو في عام 1957 جائزة نوبل للأدب تقديراً لروايتيه "الغريب" و"الطاعون".
بعد خمسين سنة من نشر رواية "الغريب" ما زالت في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا. وفي تشرين الأول عام 1995 نشرت رواية "الرجل الأول" لأول مرة في الإنكليزية بعد ثلاثين سنة من رحيل كامو. واختيرت ابنته "كاثرين كامو" لنشر المخطوطة غير المنقحة. ونظمت نسخها الأولية في نص كامل للرواية وملاحظات المؤلف التي رافقت تقدمها وتطورها. وتظهر رواية "الرجل الأول" عملية كتابة الرواية التي نادراً ما يلمح لها وهي في حالة تقدم.
إن الرواية نفسها هي تأمل متعلق بالسيرة الذاتية عن طفولة كامو المبتلى بالفقر والعائلة اليتيمة في الجزائر  في منعطف القرن. وبينما بقيت غير منتهية إلا أن أغلب النص يمتلك الحسية والوضوح اللذين يميزان كامو ويظهران بوضوح أن أحسن كتاباته لم تكن لتأتي قبل موته المأساوي الطارئ وهو في السابعة والأربعين من عمره.
زارت كاثرين كامو وشريكها روبرت غاليمار لندن في تشرين الأول عام 1995. وفي فندق بازل ناقشا المعاني المضمنة لرواية "الرجل الأول" بالنسبة لتقييمنا ألبير كامو ككاتب وفيلسوف سياسي في نهاية القرن.
تحدث روبرت ولكنسون المحرر في مجلة "Spike" إلى كاثرين حول رواية "الرجل الأول" لألبير كامو:
* في ملاحظاتك على رواية "الرجل الأول" اقترحت أن الوقت الحالي هو المناسب لاستقبال عمل كامو. فهل تعتقدين أن كامو قد جرى إهماله في السنين الماضية؟
- لم يجر إهماله أبداً من قبل قرائه. إن كامو يقرأ على نطاق واسع. وهو الكاتب الأكثر مبيعاً في دار نشر "غاليمار" لعدة سنوات حتى الآن. ولم تتوقف مبيعات كتبه ، لذا فالحديث عن إعادة اكتشافه سيوحي بأن مؤلفاته لم تعد تقرأ وهذا شيء غير صحيح. وهو تماماً ما قلته في لنفسي في أثناء نشر رواية "الرجل الأول" : "سيكون هذا شيئاً مروعاً" لكنه مروع من وجهة نظر النقد. لا أخشى من جمهور كامو. بل أخشى من الذين سوف يكتبون في الصحف.
غير أن هناك مؤشرات على أن المثقفين اليوم يعودون إلى كامو. و مع سقوط الشيوعية ،يعطيهم التاريخ المبرر لذلك. في الواقع كانت المسألة الشيوعية دائماً المسؤولة عن معارضة كامو. كان الأمر سياسياً ونوعاً من سوء الفهم. لقد شجب كامو معسكرات الاعتقال (الغولاغ) ومحاكمات ستالين. واليوم نرى أن كامو كان على حق.
القول أن هناك معسكرات اعتقال في روسيا في ذلك الوقت كان يعد كفراً وأحياناً أمراً في غاية الخطورة. نفكر اليوم بالاتحاد السوفيتي وفي أذهاننا تلك المعسكرات لكن قبل أن يجري السماح بها. لا أحد يسمح له بالتفكير أو القول في ذلك إذا كان يسارياً. كان كامو يصر دائماً على أن المعيار التاريخي والمبرر التاريخي ليسا هما الأمرين الوحيدين اللذين يجب أخذهما في الاعتبار وأنهما لم يكونا فعالين وأن التاريخ كان دائماً خاطئاً بالنسبة للإنسان. واليوم هذا هو الذي بدأنا بالتفكير به.
* هل تعتقدين أن مؤلفات كامو تصبح مبررة بعد عصر العزلة الفكرية هذا؟
- يعتمد ذلك كله على الفترة الزمنية. بعد الحرب تماماً والتحرير في عام 1945 كان كامو معروفاً ومحبوباً من قبل سارتر وكل المفكرين من جيله. وثمة مقابلة مع سارتر في الولايات المتحدة إذ سُئل عن مستقبل الأدب الفرنسي فأجاب بأن الكاتب الكبير القادم في المستقبل هو كامو. وبمرور الوقت وبعد أن تدخل التفكير السياسي بدلاً من الأدبي ومنذ اليوم الذي كتب فيه كامو كتاب "المتمرد" عام 1955 جاء التمزق وأصبح كل مفكري اليسار معادين له. وبعد أن أصبح غير مفضل لدى اليسار وجد نفسه معزولاً تماماً.
وفي الثمانينات أشار أولئك الذين سندعوهم فلاسفة فرنسا الشباب مثل "برنار" و"كلوكسمان" إلى أن كامو قد صرح بأمور لا يريد أحد أن يصغي إليها في الحلبة السياسية. وقالوا أن كامو كان على حق لا أولئك الذين انزلقوا تحت تأثير سارتر أي التكريس غير المشروط للشيوعية كما ينظر إليها في الاتحاد السوفيتي. ومنذ ذلك الحين استمرّ تقييم كامو في التحسن إلى اليوم. إن المفكرين في عصر كامو الذين ازدروه سابقاً يقدرونه الآن. ومن هذه النقطة نرجع إلى الأدب إذ من المتفق عليه أنه كان دائماً كاتباً عظيماً.
* ما الذي يجتذبنا بالأخص إلى نشر رواية "الرجل الأول". كيف سيغيّر هذا الكتاب من إدراكنا لمؤلفات كامو؟
- يجب أن نتذكر أن كامو لم يكتب حتى ثلث ما كان يرغب في كتابته. ورواية "الرجل الأول" هي آخر عمل نشر بعد موته. لكن في الواقع وبطريقة معينة كان العمل الأول لان فيه تجد إشارات إلى التزاماته وعن الطريقة الكاملة في الكتابة أيضاً. هذا المزيج من القسوة والحسية والرغبة في الحديث عن أولئك الذين لا يقدرون على التحدث عن أنفسهم.
* في رسائله إلى جان غرينيه (استاذ كامو في الفلسفة بالجزائر نشر دفاتره المختارة) يبدو غير سعيد بعمله "الرجل الأول". بعد فوزه بجائزة نوبل هل شعر بأنه مجبر على إنتاج عمل حاسم؟  
- لم يكن يكتب تحت تأثير جائزة نوبل. فهذا أمر خارجي بالنسبة للفنان فيه. جاءت جائزة نوبل من الخارج، إنها تقدير اجتماعي بطريقة ما. واعتقد أن الفنان الصادق توجهه الضرورات الداخلية. لا نستطيع أن نتحدث عن الكتاب الذي أراد أن يكتبه لأننا بالكاد نعرف بداياته. لقد كتبه بصعوبة لكن كان بحاجة إلى كتابته. يبدو لي أنه إذا ما نظرت إلى أسلوب رواية "الرجل الاول" فإنه يتطابق بصورة كبيرة لما كانه كإنسان، إنه يشبهه تماماً.
* هل سنحصل على انطباع أوضح لأفكاره من خلال رواية "الرجل الاول"؟
-ربما لن نحصل  لأنها مادة خام. لكن عندئذ في هذه الحالة يرى المرء ما هو أكثر دون أية حيل في الفن ودون حذف أي شيء. وربما هي في الوقت نفسه أكثر صدقاً. أظن أنه أراد أن يكتب شيئاً ليوضح من هو وكيف أنه مختلف عن العصر الذي ميزه.
كان العديد ينظرون إليه كأخلاقي متزمت لكنه تعلم أخلاقياته من ساحة كرة القدم والمسرح. إنها شيء محسوس ولن تمر بشكل فريد من خلال الفكرة. لا يمكنها بأي حال. بدأ التفكير من خلال الحس. لا يمكنه أبداً أن يفكر بالنتاج الاصطناعي أو النماذج الثقافية لأنه لا توجد واحدة منها. لهذا من الصدق القول بأن أخلاقيته كانت "معاشة" إلى أقصى حد ومصنوعة من الأشياء الملموسة نفسها. فهي لا تمر من خلال وسائل التجريد. إنها تجربته الخاصة وطريقته في التفكير. هناك أولئك الذين سيجدون أفكاره حول اللامعقول جاذبة وآخرون سوف يجذبهم الجانب المتعلق بالشمس من عمله حول الجزائر والحرارة وغيرها.
* بما أن رواية "الرجل الأول" تتعامل مع مولد كامو وطفولته في الجزائر يبدو من الغريب أن التعلق الشخصي العميق لكامو بالأزمة الوطنية الجزائرية تنزع نحو التغاضي في التصوير التقليدي له ككاتب فرنسي. فهل تعتقدين أن رواية "الرجل الأول" سوف تعيد تأكيد أهمية الجزائر في اعتبارنا لكامو؟
- يحدوني الأمل في ذلك. ولد كامو في الجزائر ذات الهوية الفرنسية واستوعب المستعمرة الفرنسية على الرغم من أن المستعمرين الفرنسيين رفضوه تماماً بسبب فقره. سياسياً كان يميل نحو الفيدرالية على نمط جنوب أفريقيا اليوم ( أو كما يحاولون أن يفعلوه) يجب أن يكون ثمة سكان مختلطين بحقوق متساوية، الحقوق نفسها بالنسبة للعرب والسكان الفرنسيين إضافة إلى الأعراق الأخرى التي تعيش هناك.
* هل تعتقدان بأنه رأى نفسه كونه العضو الأول في عرق مستأصل على فرض غياب والده والازدواجية الثقافية لتربيته؟
- ليس على المستوى السياسي. إنه "الرجل الأول" لأنه فقير فلا يعني الكثير للكائنات البشرية. في الواقع أنه لم يكن يعرف الجزائر. كان منفياً عن وطنه لكنه لم يزل يعيش في لغتها. إنه لا يشبه أولئك الذي ينفون إلى بلد لغته غير لغتهم. لم يحدوه الكثير من الأمل من أن الأمور سوف تسير على ما يرام لكنه كان يريد ذلك. وصلت الجزائر إلى مثل تلك الدرجة من العنف إذ أن العنف ما أن يتم اقترافه حتى لا يكون هناك متسع للتفكير.
ولا يوجد ثمة مكان وسط. إذا ما نظرت إلى البوسنة الآن ( في عام 1995) فإن البوسنيين والصرب والكروات يرتكبون الكثير من الفظائع إذ أن المرء يظل يتساءل كيف أن هؤلاء الشعوب يمكن أن تعيش معا بعد أن فعلوا ما فعلوه. إن العنف قد وصل درجة إذ أن كل فرد يعيش في كراهية ولا توجد إمكانية للتفكير والحل الوسط. لا يوجد شخص يستطيع أن يقول"هذا الشخص على خطأ هنا وعلى حق هناك" وأن "هذا الإنسان على صواب في ذلك وعلى خطأ في هذا". هذا ما يمكن أن يسمح للناس أو حتى كائنين إنسانيين أن يعيشا معاً. إننا نحل المشكلات فقط عن طريق القبول باختلافاتنا وشحنها.
اعتقد أن كامو شعر بالعزلة التامة. تستطيع أن تراها في كل كتبه فالغريب غير كامو لكن في "الغريب" ثمة أجزاء من كامو. ثمة ذلك الانطباع عن المنفى لكن كونه في المنفى لا يعني أنه في باريس أو في مكان آخر، لكن من عالم المثقفين، بسبب أصوله. وذلك هو منفى كامل. فقط بسبب طريقته في الإحساس قبل التفكير. إنه في حقل يشعر غالباً أنه يهرب منه. على أية حال عليك أن تعلم أي عصارة هو. يجب أن تعقلن الأمور. وفي ذلك يشعر أنه منفي ومعزول...
-غاليمار: وثمة شيء واضح هو أن كامو لم يكن أبداً "رجلاً محايداً" لأنه كان ملتزماً. انظر إلى مشاركته الجسدية في المقاومة. لقد شارك هناك في الحرب ضد النازية. وكان دائماَ يحمل التزاماً عميقاً ومقاومة حقيقية لكل أشكال الاستبداد. مثلاً غالباً ما يجري نسيان أن كامو كان شديد العداء لنظام فرانكو.
فقد رفض الذهاب إلى اسبانيا وتخلى عن اليونسكو لأنها قبلت اسبانيا فرانكو وسمحت لها بالخطاب. كان كامو جدّ عنيد وهذه ليست حيادية. إنها معركة أنه رجل ينهمك ويلزم نفسه. بالطبع إنه غير وجودي لكن رجل ملتزم. إنه رجل معركة. فليس من العجب أنه كان يراس تحرير مجلة "كومبا".
ولكنسون: ما الذي جعل من التزامه يختلف عن التزام الوجوديين ؟
-كاترين وغاليمار: إنه لم يكن وجودياً !
-غاليمار: كان دائماً يرفض هذا التصنيف.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي

كلمة في أنطون تشيخوف بمناسبة مرور 165 عاما على ميلاده

تنويعات في الوضوح

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا

مقالات ذات صلة

الحصيري في ثلاثة أزمنة
عام

الحصيري في ثلاثة أزمنة

زهير الجزائري معي في الصف حتى نهاية الدراسة الابتدائية صبي مميز في مكانه وهيأته واجتهاده. يجلس بوقار في منتصف الصف الأمامي. وهو الوحيد الذي بقي يرتدي دشداشة نظيفة مزررة حتى العنق. شفع له كونه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram