الجائزة لحظة استعادة مدهشة ومقلقة.. الشعور بأنك خطوت خطوة أخرى متقنة، وبلغت منعطفاً وصرت أمام أفق أوسع.. الجائزة إذن نقطة بدء وليست نهاية مطاف.. هنا يتملكك شعور بعبء مضاف.. تحرِّض على تطوير أدوات الكتابة.. تطوير اللغة والتقنيات والبناء الدرامي لأن ال
الجائزة لحظة استعادة مدهشة ومقلقة.. الشعور بأنك خطوت خطوة أخرى متقنة، وبلغت منعطفاً وصرت أمام أفق أوسع.. الجائزة إذن نقطة بدء وليست نهاية مطاف.. هنا يتملكك شعور بعبء مضاف.. تحرِّض على تطوير أدوات الكتابة.. تطوير اللغة والتقنيات والبناء الدرامي لأن الكاتب يجد نفسه في حالة منافسة مع كتّاب آخرين فيهم من هم على درجة عالية من الحرفية والخبرة والموهبة. المعيار الأول لجودة الرواية هو إجبار القارئ على الاستمرار بقراءتها حتى الصفحة الأخيرة.. هنا أتحدث عن المتعة التي توفِّرها الرواية والتي تبني علاقة صحيحة، قائمة على الاحترام بينها وبين القارئ.
يقول الروائي سعد محمد رحيم "للمدى" بعد فوزه بجائزة كتارا:
* ماذا عَنى لك الفوز بجائزة كتارا للرواية العربية 2016 فئة الروايات غير المنشورة؟
- الجائزة لحظة استعادة مدهشة ومقلقة.. الشعور بأنك خطوت خطوة أخرى متقنة، وبلغت منعطفاً وصرت أمام أفق أوسع.. الجائزة إذن نقطة بدء وليست نهاية مطاف.. هنا يتملكك شعور بعبء مضاف.. فرح الجائزة يستغرق بضع ساعات، لكنك ستفكر بعد ذلك بأن المسؤولية تفاقمت، وأن الكتابة ليست محض تسلية للمتعة وإنما تعد رهاناً صعباً في دنيا الإبداع والجمال. فالكتابة لعبة، لكنها ليست أية لعبة عابرة.. إنها لعبة حياة كبرى مع الذات والآخرين، مع الزمان والمكان، مع اللغة، ومع العالم.
* هل ترى في الجوائز الأدبية عامل تشجيع وانتشار للأعمال الأدبية، لاسيما الرواية؟
- الجوائز تحرِّض على تطوير أدوات الكتابة.. تطوير اللغة والتقنيات والبناء الدرامي لأن الكاتب يجد نفسه في حالة منافسة مع كتّاب آخرين فيهم من هم على درجة عالية من الحرفية والخبرة والموهبة.. لكن بالمقابل تغري بعضهم لولوج هذا المعترك الصعب من غير امتلاك لشروط وأدوات الكتابة الرصينة، وبالتالي تغرق سوق الكتب بروايات لا تستحق الورق الذي طبعت به، ولن تجد، في النهاية، أي صدى لدى المعنيين من نقاد وقراء.. بالمقابل للجوائز أيضاً فضيلة الدعم المادي الذي يتيح للكاتب التحرر نسبياً لبعض الوقت من غائلة الحاجة، والتفرغ للكتابة.
* هلاّ حدثتنا عن روايتك الفائزة؟ عمّ تتحدث وما هي التقنيات التي استخدمتها في كتابتها؟
- في الأول من كانون الأول 2011 استحوذت عليّ رؤيا امرأة رحت أصفها في موقف ما، ورأيت أمامي بعد أقل من ساعة نصف صفحة من جمل سردية اقتنعت بأنها تشكِّل استهلالاً ممكناً لرواية.. تلك الصورة الأولية صارت النواة لرواية (ظلال جسد.. ضفاف الرغبة) التي أخذت مني ثلاث سنين من الكتابة والمراجعة والتصحيح والتغيير. والاستهلال الجيد يقود المؤلف في الغالب في مسارات سالكة فنياً ومنتجة.. من حركة تلك المرأة/ النواة نُسجت الحوادث وصيغ المتن فأقبلت الشخصيات وتآلفت وتصارعت وتبدّلت مصائرها في شكلٍ تناوب بين السرد وما وراءه حيث تداخل الواقع بالخيال بالحلم والكوابيس.. ولذا فروايتي ،مثلما أردتها، هي رواية عن الحب والحرب والغيرة والخيانة والقسوة والموت.. إنها بانوراما وجودية عريضة لحياتنا العراقية في فاصلة متوترة من تاريخنا الشائك المعاصر استثمرتُ في كتابتها تقنيات متداخلة سعيت أن تكون منسجمة. وأنا أؤمن بأن على الرواية، أية رواية نكتبها هنا في بلادنا وفي زماننا أن تأخذ معضلة الوجود على عاتقها. وحين أقول الوجود فإنني أشير ضمناً إلى الإنسان والحياة والكون والهوية والحرية والعدالة والسعادة والمصير والجمال والأمل.
* لماذا هذه العودة إلى الرواية بعد كتابات فكرية ونقدية نشرتها في الصحف والدوريات، ومن ثم في كتب؟
- بدأتُ بتجربة كتابة الرواية مذ كنت في عشرينياتي، ولم انقطع عنها قط، حتى وإن لم أنشر محاولاتي كلها، حيث أفكر بالرواية كصورة معقّدة ومركّبة لوجودنا وموقعنا في العالم.. كما أرى في الرواية اليوم رهاناً حضارياً لأي مجتمع هاجسه النهوض والاستمرار إلى جانب العلوم الطبيعية منها والاجتماعية والتكنولوجيا والإعلام والمعلوماتية. وإذا كنّا بحاجة إلى علوم متطوِّرة واقتصاد حديث ومدن معرفة فإننا بحاجة كذلك إلى الآداب والفنون ومنها الرواية. فالرواية تمثيل لمدى تطوّر وعينا ورؤيتنا إلى أنفسنا وإلى التاريخ وإلى الكون. فالمخيّلة السردية هي التي ساهمت في صنع عالمنا بخيره وشرِّه وإلى حد بعيد. والمخيّلة السردية هي ممّا نعوِّل عليه لإنقاذنا في صراع الحياة والوجود.. الرواية اليوم واحدة من أكثر الوسائل فعالية لإخراج المجتمعات من هامشيتها وعطالتها الحضارية، وهي سردية بقاء المجتمعات واستمراريتها، إذ تؤدي وظيفتين مزدوجتين؛ وظيفة تعبير المجتمعات عن هويتها وموقعها في العالم، ووظيفة تحفيز لمغادرة هامشيتها..
* وماذا بعد الجائزة؟
- سأستأنف مشروعي في الكتابة الروائية.. سأقلل من كتاباتي في الحقول الأخرى ولن أهجرها.. نحن بحاجة إلى الكتابة الفكرية والنقدية أيضاً.. وظروفنا السياسية الملتبسة الآن تفرض علينا أن نساهم بإبداء وجهات نظرنا في ما يحدث.. وشخصياً لست ميالاً للكتابات السريعة والتعليقات الخاطفة على الأحداث اليومية، أو ربما ببساطة لا أجيد أداء دور المراقب السياسي والمحلل السياسي.. أحتاج دائماً للتأني وقراءة الحدث وما وراء الحدث لأفهمه جيداً.. فالانطباعات الأولية في كثير من الأحايين تكون قاصرة أو مشوّهة أو ناقصة أو خاطئة ببساطة.. الرواية تتمثل الحدث وتكتبه بعد سنوات من انقضائه ولذا فهي تصوِّر صفحات من التاريخ من غير أن تكون كتاباً للتاريخ أو بديلةً عن كتابة التاريخ..
* وماذا عن روايتك المقبلة؟
- منذ سنة 2003 وحتى الآن كتبت أربع روايات.. نشرت منها واحدة فقط هي (مقتل بائع الكتب) واشتركت بثانية هي (ظلال جسد.. ضفاف الرغبة) في مسابقة كتارا 2016 وحصلت على إحدى جوائزها من بين 732 رواية عربية غير منشورة تقدّمت للجائزة.. ولي روايتان أستطيع القول أنهما جاهزتان، غير أن هذا لا يعني أنني لن أراجعهما وأغيّر فيهما وربما لأكثر من مرة قبل التفكير بدفعهما للنشر، وهما في أجوائهما وأسلوب كتابتهما لا تشبهان رواياتي المنشورة.. ومنذ بعض الوقت شرعت بالتخطيط لرواية أخرى أريدها مختلفة عمّا كتبت وأظن أنها ستأخذ مني عامين أو ثلاثة لإتمامها.. وأنا الآن بصدد جمع وثائق تعينني في كتابتها.. وكلما أنجزت عملاً روائياً أشعر بصعوبة أكبر في إنجاز العمل اللاحق. وترعبني فكرة نشر عمل يقال عنه أنه سيئ أو أقل جودة من سابقاته. وأعرف أن هذه مهمة ليست يسيرة ولا يمكننا التحكم بنتائجها كما تنعكس في آراء النقاد والقراء.
* ما مواصفات الرواية الجيدة برأيك؟
- المعيار الأول لجودة الرواية هو إجبار القارئ على الاستمرار بقراءتها حتى الصفحة الأخيرة.. هنا أتحدث عن المتعة التي توفِّرها الرواية والتي تبني علاقة صحيحة، قائمة على الاحترام بينها وبين القارئ. هذا القارئ لن يكون نفسه بعد الفراغ من القراءة، فالرواية الجيدة تغيّر.. وحين نبحث عن شروط أخرى نألفها في قدرات الروائي على الانطلاق من حدس سليم، وحساسية عصرية مرهفة في النظر إلى اللغة والتجربة والعالم المعاش، وانضباط المخيّلة السردية المنتجة، والحس الجمالي الخلاّق، وعنصر الإقناع الفني.. في السرد الروائي الجيد هناك الخريطة السرية لكوننا النفسي والطبيعي ولوجودنا الذي يتخطى المرئي والملموس.
* أيمكن القول أن الرواية العراقية بدأت تتصالح مع القارئ العراقي؟
- نسبياً، نعم.. هناك جيل جديد من القراء الشباب الذين يفضِّلون قراءة النصوص الروائية العراقية ويجدون فيها ما يشبع نهمهم للتعرف على الأدب الممتع، والمغذّي للعقل والإحساس.. فالروائي العراقي تنبه إلى أن الاستغراق في الغموض المفتعل والمعمّيات ليس الطريق الملكي إلى الحداثة. وأن الحداثة لا تعني دفع القارئ إلى متاهات مضللة ومملة، وإنما هي رؤية نفاذة، غير تقليدية إلى الواقع وبناء حديث ولغة مبتكرة سلسة متبّلة بشيء من الغموض المحبب الذي يحث على التفكير ومشاركة المتلقي في إعادة بناء النص الروائي عبر القراءة.. وشخصياً أفرحني إقبال قراء شباب على اقتناء روايتي الأخيرة (مقتل بائع الكتب) جعلهم يراسلونني عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويعبِّرون عن إعجابهم بالعمل، ويطرحون تساؤلات وأفكاراً مفيدة. وحتى حين نتبجح بأننا إنما نكتب لأنفسنا ففي الحقيقة يبقى نصب أعيننا جمهور القراء العريض.. حين تجدد الرواية لغتها وتقنياتها وتثري بُعدها الدلالي ستتسع دائرة القرّاء. وأرى أن على الكتّاب العراقيين جعل شريحة المتعلمين والمثقفين تستعيد إيمانها بالأدب، وبالرواية على وجه التحديد.
* ما هي آفاق انتشار الرواية العراقية الآن؟
- أعتقد أن الرواية العراقية بدأت تخرج من قوقعتها المحلية إلى الفضاء الثقافي العربي بقوة.. الروائيون العراقيون اليوم يثبتون أنهم ليسوا أقل شأناً من أقرانهم في البلدان العربية الأخرى. والمعيار ليس فقط حصولهم على جوائز مهمة في ميدان تنافس يشترك فيه مئات الروائيين العرب، وإنما كذلك هذا الاهتمام النقدي في الصحف والدوريات العربية بالروايات العراقية، وسعي دور النشر العربية لإصدار روايات الكتّاب العراقيين.. وبعد ترجمة بعض الأعمال العراقية إلى اللغات العالمية كالفرنسية والإنجليزية والاسبانية واليابانية والصينية وغيرها ستكون للرواية العراقية مكانتها في العالم.
سيرة مختصرة:
- سعد محمد رحيم.
- عمل في التدريس وحقل الصحافة. ونشر أعماله الصحافية في بعض الصحف والدوريات العراقية والعربية.
- من كتبه المنشورة؛
1- الصعود إلى برج الجوزاء.. قصص 1989. بغداد.
2- ظل التوت الأحمر.. قصص 1993. بغداد.
3- هي والبحر.. قصص 2000. بغداد.
4- غسق الكراكي.. رواية 2000. بغداد.
5- المحطات القصية.. قصص 2004. بغداد.
6- تحريض.. قصص 2004. دمشق.
7- زهر اللوز.. قصص/ 2009 بغداد.
8- عولمة الإعلام وثقافة الاستهلاك.. دراسة ـ بغداد/ 2011
9- استعادة ماركس.. دراسة ـ دمشق 2012.
10- أنطقة المحرّم؛ المثقف وشبكة علاقات السلطة.. دراسة ـ دمشق 2013
11- سحر السرد؛ دراسات في الفنون السردية.. دراسة ـ دمشق 2014.
12- صراع الدولة والجماعات في العراق.. دراسة ـ بغداد 2015
13- روافد النهضة والتنوير؛ مرويات فكرية.. دراسة ـ بغداد 2015
14- المثقف الذي يدس أنفه.. دراسة.. بغداد 2016.
15- مقتل بائع الكتب.. رواية.. بغداد 2016.
- حصل على جوائز عديدة منها:
1- الجائزة الثالثة في مسابقة المجموعات القصصية .. وزارة الثقافة - بغداد 1993
2- جائزة الإبداع الروائي في العراق لسنة 2000 عن روايته ( غسق الكراكي).
3- جائزة أفضل تحقيق صحافي في العراق 2005.
4- جائزة الإبداع في مجال القصة القصيرة/ العراق 2010 عن مجموعة ( زهر اللوز ).
5- الجائزة الأولى في القصة ـ ملتقى القصة العراقية ـ محافظة صلاح الدين/ تموز 2011.
6- جائزة كتارا للرواية العربية ـ فئة الروايات غير المنشورة 2016 عن رواية (ظلال جسد.. ضفاف الرغبة).