صدرت عن (دار المدى) ترجمة جديدة لمسرحية الروسي البارع (غوغول) الشهيرة (المفتش العام) والتي تدور احداثها زمن القيصرية، ويكشف فيها ذلك الأديب التقدمي الفساد الاداري لموظفي احدى المدن الصغيرة في روسيا. وكانت لتلك الاحداث مثيلاتها في عراقنا هذه الايام او قبلها . كتبت المسرحية عام 1836 عن فساد وجهل موظفي تلك المدينة وباسلوب كوميدي ساخر. حيث يهتز رؤساء الدوائر الحكومية لسماعهم نبأ قدوم مفتش عام من العاصمة ليتحقق من أسلوب ادارة تلك الدوائر. والحقيقة ان الاداريين قد توهموا وصول المفتش المزعوم وهو لم يكن إلا أحد المسافرين العابرين واعتقد اولئك بأنه قد تنكر او تخفي لكي يكشف عن فسادهم بدون علمهم ولذلك تراهم يتملقونه ويرشونه عساه يسكت عن فضائحهم. وفي نهاية المسرحية تصل رسالة الى احد مواطني تلك البلدة من صديق له من العاصمة تخبره بان المفتش العام الحقيقي في طريقه الى البد ويصاب الاداريون بالذهول . تتصف شخصيات المسرحية بالبشاعة المضحكة (غروتسك) او (الكاركاتيرية).
ويذكر بأن (غوغول) قد اجاد في بناء هذه الكوميديا وقد اعتبرت اول مسرحية واقعية كوميدية في روسيا وتتميز بصدقية احداثها وشخوصها وقد انتشرت عالمياً حيث تم انتاجها في اغلب دول العالم وجاء ظهورها في روسيا في زمن مناسب حيث توفر عدد من الممثلين المقتدرين الذين يؤمنون بالحقيقة الحياتية على المسرح واعطتهم الفرصة لتطبيق قوة مناهجهم وتأثيرها في الجمهور وكان (ميخائيل شيبكين) (1788 – 1863) من بين اولئك حيث وصفه (ستانسلافسكي) بانه احد بناة قواعد الفن الدرامي الروسي وذلك باهتمامه بالملاحظة المباشرة للحياة والتحضير المتأني للتمارين والتصوير الواقعي لادواره وليصبح نبراساً لجيل بل من الممثلين.
كان (فيزفولد ميرهولد) من ابرز المخرجين الروس الذين تعاملوا مع (المفتش العام) وذلك عام 1926 وقد اعتمد في اخراجه للمسرحية على عدد من التقنيات المستخدمة نذكر منها استخدامه للتمثيل الصامت المبتكر وما يسمى التابلوهات، واعتماده على الايقاع الصوتي والحركي في اداء ممثلي شخصيات المسرحية. وقام بتقسيم المسرحية الى خمسة عشر حدثاً مسرحياً (ايبسودات) واعطى لكل حدث منها عنواناً خاصاً ولكل منها اجواءه الخاصة وايقاعه الخاص وبذلك حوّل المسرحية الى احكام تدين الحقبة القيصرية. وبالنسبة لمنظر المسرحية فقد أحاط المسرح بجدار نصف دائري من خشب (المهاغوني) وفيه خمسة عشر بابا يطل منها الاداريون ليكشفوا عن مواجهاتهم للمفتش المزعوم. ويفتح الجدار المقوّس من الوسط لتدخل منصات متحركة يتم اتخاذها مناطق للتمثيل . وفي هذه المعالجة البصرية للمشاهد اعتمد (ميرهولد) كما يبدو على مصدرين :النقوش المحفورة من القرن التاسع عشر، والى متحف الشمع. وقد جعل الممثلين يرتدون أزياء انيقة تمثل طراز المرحلة، وجهز المنظر بأثاث يمثل في طرازه تلك المرحلة ايضاً. وفي بداية كل مشهد تتحرك المنصة المتحركة الى وسط المسرح وعليها يقف الممثلون كما لو كانوا في متحف للشمع موضعيات خاصة . وكانت حركاتهم منضبطة بعناية فائقة وعلى وقف الايقاع المناسب. وفي نهاية المسرحية يظهر اعلان منعكس على الجدار الخلفي بين وصول المفتش الحقيقي حيث يتجمد الممثلون باماكنهم وكأنهم في متحف للشمع .
كان الايقاع جزءاً مهماً من الانتاج وكانت الموسيقى ترافق جميع الافعال التي يؤديها الممثلون. وفي العديد من المشاهد يؤدي الممثلون حركات وايماءات متشابهة ويلقون حواراتهم باسلوب متشابه وكأنهم يمثلون شخصاً واحداً لاعتقاد (ميرهولد) بأنهم متشابهون في فسادهم الاداري والمالي. ومن الامثلة المثيرة عن القيم الايقاعية لحركة الممثلين ظهور أيدي اثني عشر منهم في آن واحد من فتحات الابواب ليقدموا الرشا للمفتش المزعوم.
(المفتش العام) تفضح الفساد الاداري والمالي
[post-views]
نشر في: 31 أكتوبر, 2016: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...