TOP

جريدة المدى > سينما > فيلم عباس كياروستامي الأخير: تسع دقائق تصف تألقه

فيلم عباس كياروستامي الأخير: تسع دقائق تصف تألقه

نشر في: 3 نوفمبر, 2016: 12:01 ص

حين توفي المخرج الإيراني عباس كياروستاني مبكراً هذه السنة فإن قوة التعبير عن الكارثة كان مشهداً لا يقارن من قبل أي شخص آخر من عالم الفيلم في الذاكرة الحالية. إذ أن رحيل جاك ريفيت ومايكل تشيمينو أثار الصدمة والألم ضمن مجتمعات المعجبين، إلا أن وفاة كيا

حين توفي المخرج الإيراني عباس كياروستاني مبكراً هذه السنة فإن قوة التعبير عن الكارثة كان مشهداً لا يقارن من قبل أي شخص آخر من عالم الفيلم في الذاكرة الحالية. إذ أن رحيل جاك ريفيت ومايكل تشيمينو أثار الصدمة والألم ضمن مجتمعات المعجبين، إلا أن وفاة كياروستامي كانت بمقياس آخر: لقد كشف عن التأثير المشكّل الذي مارسه على عقول عدد كبير من عشاق السينما وأوحى بالسبب في أن كل شخص بدا يتكلم عنه لأنه تبقى القليل مما يقال. 

جنازته في طهران حضرها عدد كبير من المعزين، لكن المشهد الصاخب شحب بالمقارنة مع الإجماع الحاد لمجتمع الفيلم النادم. مثل تشابلن، أحد المخرجين المفضلين، فإن كياروستامي بدا محبوباً من قبل الجميع.في الفيلم الأخير الكامل فيما يبدو لكياروستامي، الفيلم القصير الكوبي الذي طوله تسع دقائق بعنوان" المسافر" الذي عرض تواً في مهرجان لوكارنو السينمائي ثمة سائق يلتقط امرأة شابة تسافر متطفلة عند جانب الطريق. وهي في كوبا من أجل ورشة مع المخرج الإيراني الشهير  الذي وقع في الشرك على جانب الطريق بسبب تقلب نظام باص المطار (هي متأخرة يومين).  
البعد الشخصي للمشروع واضح حالاً – أخرج كياروستامي فيلم "المسافر" بينما كان يعمل ورشة في كوبا للسينمائيين الشباب. لكن السائق الذي هو ليس من عشاق السينما قرأ عن عباس كياروستامي في صحيفة محلية ويعرف عناوين العديد من أفلامه. وبينما الفتاة تصف "الاستاذ" بمصطلحات إعجاب يصر السائق على أنه بالفعل مهتم بمشاهدة الأفلام، لكن عمله يمنعه من التوجه إلى المسرح في البلدة التالية كي يلحق بها. تبادلهما مثير لأنه يقف بشكل غير متعمد كعهد بالنسبة لشخصية كياروستامي وتأثيره؛ إن شيئاً مثل هذا ممكن تصوره و يحدث في مكان معزول في الظاهر مثل كوبا. إنه تبادل كياروستامي النموذجي: مكان الأحداث السيارة، ايقاعات الجلوس للحوار الممزوجة بصوت المحرك والمشهد الطبيعي العابر: الروابط المتطورة عبر خطوط التوليد، وما بعد المستوى الاضافي للمفارقة ( في هذه الحالة لأن المخرج يبني بشكل جاف هذا القصيدة الغنائية من أجل مكانته الخاصة) . بكلمات أخرى: نهاية مؤثرة بالنسبة لسيرة قد جرى ختامها بشكل تدريجي منذ مدة طويلة.
كان كياروستامي مع "هو هسياو هيسن" المخرجين الرئيسيين في التسعينات اللذين جسرا التقسيم الذائب دائماً بين الفيلم الفني والتيار السائد؛ لقد مزج عدد كبير من المقاربات- التجريبية والإنسانية والوثائقية و"السينما البطيئة"- ومكانته كانت كلها أكثر عظمة وشمولاً بالنسبة لها. بطرق عديدة جسد السينما الإيرانية لما بعد الثورة ومع ذلك رفض الانخراط بالسياسة وغالباً ما جرى نقده بسبب سلبيته تجاه الرقابة. إن مسار سيرة كياروستامي بدأ في إيران وانتهى في آسيا؛ الأشكال تحركت من الوثائقي إلى الخيالي ثم عادت مرة أخرى ( وعلى الرغم من أنه تقسيمٌ شجبه بشكل صريح). وصل أسلوب كيارستامي قمته مع فيلم "عشرة" في عام 2002 الذي أخرجه بعد ثلاثة أفلام روائية. وكما قالت المخرجة كاثرين بريلات فإن فيلم "عشرة" كان مثالياً لأنه ليس هناك صورة ولا ميزانسين ، فقط كاميرا وذكاء وفكرة خالصة.
بعد ثلاثة من التجارب المهيبة "شيرين- 2008" و"نسخة مصدقة – 2010" و"مثل عاشق" -2012 تحولت أهداف كياروستامي إلى مشاريع صغيرة ورحلات منتظمة إلى المهرجانات والمؤتمرات بينما بدأت صحته تخونه. احد تلك المشاريع كانت ورشة في كوبا عام 2015، موضوع البرنامج القصير في لوكارنو كان مخصصاً إلى صانع الفيلم. هنا أشرف كياروستامي على صنع 52 فيلماً أنتجت في "بيبلو تكستل" وما حولها؛ سبعة أفلام منها عرضت للمرة الأولى في لوكارنو مع عنوان جانبي:"صنعت في كوبا مع عباس كياروستامي" والتي احتوت على فيلم المخرج الحالي أيضاً. إن التأثير غير المحظوظ للبرنامج أن فيلم المخرج النجم لا بد من أن يظهر ضعف أعمال طلابه وبالأخص حين تدين بشكل واضح لأسلوبه.
معظم الأفلام القصيرة أخذت كنقطة انطلاق من منظور وجهة نظر عين الطفل لأجزاء من ثلاثية كوكر- بعض الشعور غير الناطق لمرور الزمن بمصطلحات محسوسة. غير أن هناك القليل جداً حول ما الذي يجعل من أفلام كياروستامي مميزة. جزء مما هو لامع في أفضل أفلام كياروستامي هو مزجه العفوي بين التقاليد الذي ظهرت مرة متفاوتة. بساطة مقاربة كياروستامي الفلسفية هي خطرة (شرك) أحياناً يثبت نظرة أنيقة وخالصة لمادته بينما في أحيان أخرى توحي بنظرة فلسفية محددة ( هذا ربما السبب أن المخرج نادراً ما يكون قادراً على الحديث عن عمله بمصطلحات معقدة). كل هذه الأفلام القصيرة السبعة تمتص جانبا مفردا بسيطا من كياروستامي وتضاعفه بمصطلحات مختصرة غير مدركة بأنها في تركيبها تكمن براعة الفنان.  
كياروستامي بنيوي- يعتقد أنه لا بمصطلحات اللحظات بل بمصطلحات التأثير المتراكم  تمتد هذه المشاهد التصغيرية– اللقطة الافتتاحية ذات الحركة البطيئة في "بور سي أكاسو" فيه أطفال محليون يتصورون أنفسهم مخرجين لفيلم زومبي حربي- و مع تطور أقل لأي نوع من البناء المعقد.
مع ذلك، من المثير للاهتمام بشكل لا يمكن إنكاره أن ترى إجلالاً لصانع فيلم مؤلف من نتاجات تعاون الحياة المتأخرة. ربما مؤلف صورة الموت الكبير في السينما المعاصرة- اللقطة الأخيرة من "طعم الكرز"- 1997 سيكون من المحبب ذكرها ممتزجة بين أعمال طلابه. وإن كانت الأفلام القصيرة تجسد تماماً براعة كياروستامي إلا أنها تجسد بشكل مؤكد تواضعه.
كرستوفر سمول عن "أندي واير"

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram