يلاحقني بعض الأصدقاء بالتساؤل حول سرّ الاهتمام بما تنشره الصحافة والإعلام الخليجيان. يكتفي حسنو الظن بهذا القدر، بينما يتمادى سيّئوا الظن الى حد الغمز واللمز الطائفيين سراً وعلناً!
لكن من الواضح جدا، أن الحديث عن الموقف الخليجي من العراق، يقتصر على الموقف الرسمي لحكومات تشغّل ماكنات إعلامية شرسة، تواصل ضخ التحريض الطائفي منذ 2003.
فنحن كعراقيين، رغم شخصيتنا الاجتماعية والثقافية المختلفة، لكننا بحكم الجوار والتاريخ نحمل هوية شرق أوسطية + خليجية. يكفي أن نذكّر أنّ الخليج ما زال يحمل اسم (خليج البصرة) في الخرائط العثمانية عندما كانت (بصرة ولايتي) تمتد من الكويت الى تخوم قطر وزنجبار على ساحل بحر العرب.
إذن فكل أحاديثنا هي عن موقف خليجي رسمي، باستثناءات قليلة، تحوّل الى سياسة منحازة، تدير خطاباً إعلامياً عدائياً ، وتتم ترجمتها الى إجراءات تمييزية ضد العراقيين المارين او المقيمين في تلك الدول.
ومنذ إسقاط نظام صدام، بواسطة الدبابات والطائرات التي انطلقت من القواعد العسكرية الخليجية، وبعض هذه الانظمة تواصل النفخ في نار التأجيج الطائفي والعرقي بمناسبة أو من دون مناسبة.
رغم ذلك لم يحصل أن قامت بعض هذه الانظمة وماكناتها الإعلامية بمراجعة هذه السياسة، التي استعدت ِالعراقيين، وحاولت بشكل ممنهج تسويقهم بوصفهم كائنات طائفية متقاتلة وعميلة للشرق او الغرب، لا حظ لها من الحضارة ولا المدنية ولا الإنسانية!
ولو أنّ الأمر انتهى عند المواقف الاستفزازية، التي يطلقها الجبير او ضاحي خلفان او غيرهما، لهان ولأمكن تفهم ذلك في إطار الاستقطابات التي تعيشها المنطقة. لكن الحالة تفاقمت واستفحلت، بعدما انخرط ما كنا نحسبهم زملاء مهنة، او نعتبرهم مفكرين، او من نراهم باحثين نفترض بهم الموضوعية والمهنية. وتحول هؤلاء الى جنود في ماكنات التحريض والكراهية ضد بلد جار.
فمع كلّ عملية عسكرية تطلق ضد المد الإرهابي لداعش، نشاهد ونقرأ كمّاً هائلا من الضخ الإعلامي الذي يركز على "تطييف" العراقيين، والتركيز على انتهاكات فردية، وتضخيمها والمبالغة في تداولها وتحويلها الى سلوك رسمي، وليّ الحقائق وزجّها في سياقات دينية وطائفية رثّة.
ومؤخراً اصبحنا نطالع كيف ينهمك بعض الصحفيين الخليجيين بكل صغيرة وكبيرة من شؤون العراق وشجونه، بينما يغضّون الطرف عن التحديات الخطيرة التي تواجه شعوبهم وأنظمتهم، كتنامي التيارات التكفيرية بين الشباب، والازمات المالية التي تعصف باقتصاديات بلدانهم، ومستنقع الحروب التي تورط بتأجيجها ملوكهم وأُمراؤهم.
يناقش بعض الصحفيين والكتّاب الخليجيين، بكل جد وحماسة، مستقبل الموصل بعد داعش، متغافلين عن دائرة الفقر التي باتت تبتلع مواطنيهم، وقنبلة العمالة الاجنبية التي حوّلت شعوبهم الى مجرد أقليات. طبعا لن نتحدث عن سقف الحريات العامة والخاصة، ولن نذكرهم باحتكار السلطة والثروات بيد قلة قليلة.
في المقابل، لا يبدو ان حال الإعلام الغربي افضل من نظيره الخليجي، رغم انه أخف وطأة وعدائية، وأكثر تنوعاً.
فحصيلة 13 عاما من عمر العراق الجديد، وهو رقم منحوس بطبيعة الحال، عجزت الميديا الغربية عن الخروج على نمطية تعاطيها مع الازمات العراقية. فكل حدث وكل خبر يتم تناقله يجب ان يتضمن الإشارة الى الانقسام الطائفي، والإثني. فليس هناك عراقيون يسقطون ضحية تفجير هنا، او انتحاري هناك، وانما هم شيعة او سنّة، او مدنيون في أحياء شيعية او سنية.
يتخيل الصحفي الغربي، رغم استعانته بزملاء عراقيين في اغلب الاحيان، ان اي حادث مروري يقف وراءه صراع شيعي / سني على السلطة. وان اي ازمة سياسية وراءها اضطهاد شيعي لباقي المكونات الاخرى.
يولع هؤلاء المستشرقون الجدد، بالنبش في الانقسامات، التي لا ترى حتى بمجهر الانثروبولجيا، والعمل على نفخها وتضخيمها لغرض صناعة رؤية معينة عن ملف من الملفات، وتحويله لمادة لمراكز الابحاث او دوائر صنع القرار.
يتناسى هؤلاء أنّ أول تجربة لتوحيد شتات هذه البلاد وقعت قبل أربعة آلاف عام، ويتغافل عن تاريخ من التعايش الراسخ لصالح التركيز على حروب ونزعات حديثة.
هناك حاجة ملحّة تفرض على أشقائنا الخليجيين وزملائنا الغربيين، أن يغسلوا عيونهم من جديد، لكي ينظروا إلينا بشكل مختلف.
العراق بعيون الخليج والغرب
[post-views]
نشر في: 2 نوفمبر, 2016: 06:18 م