كلما يدور حديث عن المصالحة الوطنية التي تحولت خلال الاسابيع الماضية الى " المصالحة التاريخية " أتذكر الزعيم الأفريقي الراحل نيلسون مانديلا، وأخشى أن أسال: لماذا لايوجد مانديلا عراقيّ؟ لانني في كل مرة أشاهد زاسمع عدداً من الساسة يتحدثون عن مآثرهم في المصالحة ، حتى أنّ خطيب العراق إبراهيم الجعفري خرج ذات يوم صارخاً ، زاعقاً : " مانديلا العراقيّ موجود، التفتوا حولكم وسترونه جيداً " الغريب أنّ الباحثين من امثالي عن مانديلا عراقي لم يجدوا غير ظلال محمد الصيهود الذي قال لنا أمس من تحت قبة البرلمان " الاخواني " ان قانون العطل لن يمر ما لم يتم الموافقة على اضافة يوم الغدير كعطلة رسمية ، وفات النائب " الهمام " اننا نعيش منذ سنوات في مرحلة سبات دائم ، بين عطلة وعطلة هناك عطلة .
يبدو الحديث عن مانديلا هذه الأيام أشبه بالحديث عن حلم عاشه رجل في زنزانة ضيقة وحين أطلق سراحه عمل جاهدا على المحافظة على بلد متماسك بكل ألوانه، كان الأمر في البداية أشبه بالمستحيل، فالكل يشحذ سكاكينه، والكل يتهيأ لحرب الانتقام، وكان أمام العجوز الذي خرج منهكا من المعتقل خياران، الأول أن يبدأ حرب الانتقام ضد البيض الذين عذبوه لأكثر من ربع قرن، وحكموا مواطنيه الأفارقة بقوانين تساويهم بالحيوانات، والخيار الثاني ان يحافظ على أمن وسلامة البلاد وروحها، فاختار الطريق الثاني ، وهو ألاّ يلغي مواطنة البيض الذين استقروا في هذا البلد منذ أكثر من ثلاث مئة عام ، ليفاجئ العالم بسياسة اليد الممدودة، وعقاب المخطئين بمحاكمات الاعتراف العلنية لتطهير النفس بديلا للانتقام والقتل.وحين كان له الخيار في نائبه كأول زعيم إفريقي في بلده لم يذهب خياره إلّا لزعيم الأقلية البيضاء، دي كليرك، مؤكداً أن الإنسان الحق هو ذاك الذي لا يكرّر خطأ الظلم الذي ناضل كي يرفعه.
التسامح والغفران يتطلبان إيماناً بأن الأفكار مثلها مثل الأشياء تتحول وتتغير، أما عدم التسامح والعجز عن الغفران فهما دليل تعصب وجمود، وبسبب مانديلا الذي عمم مفهوم التسامح فإن جنوب أفريقيا اليوم أهم وأكثر دول القارة استقراراً ونجاحاً.
كان مؤسس الاقتصاد الحديث آدم سميث يقول لمن يريد ان يعمل في السياسة : " عليك ان تراقب الانسان الذي في داخلك ، وان تضبط نزواته وغرائزه" . للاسف لا احد من ساستنا يريد اليوم ان يراقب ما بداخله ، لانه في المواقف الصعبة ، يظهر على حقيقته ، لم تعد الوطنية والنزاهة والسمعة الطبية من همومه ، ما دام يجد من يصفق له وينتخبه ويسير خلفه .
المصالحة التاريخيّة: ممنوع الضحك
[post-views]
نشر في: 2 نوفمبر, 2016: 07:21 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
بغداد ترحب بـ"هدنة لبنان" والفصائل ترفض وقف التصعيد وتهدد واشنطن
تقرير امريكي يتحدث عن "السيناريو الأسوأ": جر العراق إلى "عين العاصفة الإقليمية"
المالية النيابية: تعديل الموازنة الاتحادية يفتح المجال لتغيير فقرات غير فعّالة
فرنسا تشهد أول محاكمة لدواعش من رعاياها اعتدوا على إيزيديين
مجلس الخدمة الاتحادي: نحتاج لأكثر من 5 مليارات دولار شهرياً لتمويل رواتب الموظفين
الأكثر قراءة
الرأي
الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!
رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...
جميع التعليقات 3
بغداد
أستاذ علي حسين بلا والله حق معك عندما اشرت في مقالك اليوم على معضلة مهمة جدا وهي معضلة العطل في عراق مابعد الغزو الأنكلومغولي وقلت ، وفات النائب الهمام اننا نعيش منذ سنوات في مرحلة سبات دائم ، بين عطلة وعطلة هناك عطلة. !!!!؟؟؟؟ بدأوها بتعطيل الأدمغ
محمد سعيد
البيئة والمحيط العام الذي نعيشه و يحكمنا قطعا لا يسمح ان يولد شخص عراقي من امثال مانديلا , لآنه سيكون خارج المنطق العام الذي يحيطنا خصوصا, واننا عشنا ونعيش علي الأنانية ,الطمع و الحدس والايمان الموهوم ان الله سبحانه وتعالي وهبنا دين حنيف
ناظر لطيف
المصالحة تستلزم وجود الدولة بقدرتها على انفاذ القانون، وجود المليشيات والسلاح خارج الدولة هو ينافي سلطتها في إنقاذ القانون، ضم المليشيات مع الدولة هو احتيال على القانون، اي حديث عن المصالحة مع الوضع القائم هو هواء في شبك.تقديم مصلحة الطائفة او العرق أو ال