اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الرسام العبقري ألما تادما

الرسام العبقري ألما تادما

نشر في: 4 نوفمبر, 2016: 09:01 م

ثلاث سنوات كاملة انتظرت كما انتظر الكثيرون افتتاح معرض الرسام العبقري ألما تادما ( ١٨٣٦-١٩١٢) في متحف فريسلاند شمال هولندا، فترة طويلة جداً من التحضيرات والترتيب وتهيئة كل التفاصيل لإنجاح هذه التظاهرة الكبيرة وإقامة معرض مهم سيبقى في الذاكرة الى الأبد. من المصادفات الرائعة ان المعرض يبعد عن بيتي مسافة نصف ساعة بالسيارة، وقد أعلن المتحف بأنه سيمدد وقت الافتتاح ساعة إضافية بسبب الإقبال الكبير على المعرض. وصلت المتحف قبل الساعة العاشرة صباحاً، كنت أظن بأني قد حضرت مبكراً، وهذا ما كنت أريده بالضبط، لكني فوجئت بالناس وهي تملأ المكان، حيث الزوار يقفون في ثلاثة خطوط طويلة لشراء التذاكر. مرَّ بعض الوقت قبل ان احصل على تذكرتي ودخلت المتحف، لأتجول وسط هذه الجموع وأتحسس بنفسي وعن قرب عظمة ألما تادما.
هنا في المتحف حيث تحيطني أعمال تادما لتتدفأ بها روحي كما أتدفأ وقت الشتاء بمعطف صوفي نادر، أرى الناس تتزاحم امام اللوحات وأنا أفكر باليد المبدعة التي انجزت كل هذا الجمال، وأتساءل، كيف لشخص واحد ان يقدم كل ذلك؟ كيف للجمال أن يمضي بِنا بعيداً نحو عذوبة من هذا النوع؟ كيف انبرى رسّام واحد ليصوغ كل هذه الأشكال الساحرة؟ من أين له ان يهب مثل هذه الروح الملونة لقماشات الرسم ويجعل الكانفاس يسكر وينتشي بكل هذه العظمة؟ تُرى من أين جاء تادما بكل هذا الخيال وهو يحرك شخصياته التي يرسمها كما يحرك ممثلين على خشبة المسرح؟ اسئلة كثيرة لا حصر لها خطرت على بالي وأنا أقف امام هذه النوع الفاخر من الرسم. أصابني الذهول بل دبَّ الخدر في حواسي، فجلست على أريكة بيضاء تواجه لوحة (العثور على موسى) وبدأت أتأمل هذا العمل الكبير. انها لوحة متكاملة من كل النواحي حيث تحمل فتاتان جميلتان القفة التي عثر على موسى وهو يرقد فيها، تحملانها الى أعلى حيث يسير الركب الذي تحمله سواعد مجموعة من الشباب بملامحهم السمراء الجميلة وسواعدهم القوية، حيث تجلس في الأعلى زوجة الفرعون، يحيط بكل ذلك بعض الشخصيات التي تكمل المشهد وكذلك بعض الجموع البعيدة على الضفة الأخرى من نهر النيل. رسم تادما هذا العمل المدهش سنة ١٩٠٤ لأحد الأثرياء وجامعي اللوحات الإنجليز، والذي كان مفتوناً بمصر وتاريخها، وقد عمل هذا الثري في بعض المشاريع المائية في مصر وجمع أموالاً كبيرة، وقد طلب من تادما ان يرسم له لوحة حول العثور على موسى. عندها سافر رسامنا العبقري الى مصر ليطلع على الأجواء هناك ويطالع سحنة الناس ويرى الرسومات القديمة والأزياء والتفاصل الصغيرة ويتعطر بنسمات النيل، ليعود الى مرسمه في لندن ويباشر العمل في واحدة من اعظم لوحاته.
لكن من المؤسف ان هذه اللوحة وبعد سنوات من رسمها لم تحظ بالأهمية التي تستحقها، ولم يلتفت اليها أحد بعد ان بدأت الناس تنجذب اكثر نحو الأعمال التعبيرية والتجريدية والتكعيبية وغيرها من الأعمال التي كانت حديث الناس والمهتمين في النصف الاول من القرن العشرين. ووصلت الحالة أشدها في سنوات الخمسينات حيث كانت هذه اللوحة معروضة في غاليري نيومان بمدينة لندن، وقد حاول الغاليري جاهداً أن يبيعها لكنها لم تثر اهتمام احد، وحاول الغاليري هذه المرة ان يهديها الى بعض المؤسسات أو المتاحف لكنه لم يجد ايضاً من يتحمس لذلك. الى ان جاء احد (مقتني اللوحات) واشتراها بمبلغ ٢٥٢ باوند. لكن عند إقفال الغاليري عند الظهيرة وجدها صاحب الغاليري ملفوفة على شكل رول ومركونة على الجدار الجانبي للغاليري، حيث نُزِعَتْ من الإطار. ليتضح ان من اشتراها أراد الحصول على الإطار الذهبي فقط بهذا الثمن ولم تعنه اللوحة في شيء. هذه اللوحة نفسها بيعت سنة ٢٠١٠ في مزاد سوثبي بمدينة نيويورك بمبلغ ٣٦ مليون دولار!!  أجلس قبالتها الآن في المتحف وأبتسم وأنا أفكر بحكايتها التي هي حكاية الفن التي تتكرر على مر العصور.
 يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram