اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > قراءة في أعمال التشكيلي العراقي (محمد سوادي)..سمفونية لونية عاشقة وتجريد مغامر

قراءة في أعمال التشكيلي العراقي (محمد سوادي)..سمفونية لونية عاشقة وتجريد مغامر

نشر في: 5 نوفمبر, 2016: 12:01 ص

ابن الشمس لا يستطيع الابتعاد كثيرا عن مصدر الإلهام والإشراق ، هكذا هو ابن الناصرية ومعابد الشمس الاولى في أوروك و اريدو..  الفنان التشكيلي ( محمد سوادي ) يسعى بجد ودأب كي يضفي شروقا متميزا على سطوح لوحاته فيها الكثير من الثيم والايقاعات والمفردا

ابن الشمس لا يستطيع الابتعاد كثيرا عن مصدر الإلهام والإشراق ، هكذا هو ابن الناصرية ومعابد الشمس الاولى في أوروك و اريدو..  الفنان التشكيلي ( محمد سوادي ) يسعى بجد ودأب كي يضفي شروقا متميزا على سطوح لوحاته فيها الكثير من الثيم والايقاعات والمفردات المتداخلة والمساحات اللونية التجريدية من خلال التعامل بشكل متميز  في ترويض المساحات بلونية متناغمة في تجربة مغايرة ، تعتمد التجريب التكويني اللوني البعيد عن تشخيص الواقع بشكل مباشر  . فهو أحد التشكليين المغامرين القلائل الباحثين عن قيمة التجريد اللوني المطلق في فضاء الحداثة اللونية  المعبرة عن روح المعنى.

تكمن في خاصية كونه ملوناً يعرف كيف يطوع العلاقة القائمة على أسلوب تحديد التكوين التشكيلي بواسطة خطة لونية لا خطية . فاللون وحده هو نقطة الارتكاز الأساسية في فنه ، إذ يعتمد في تشكيله اللوني على مدى أو مركز معين في اللوحة، يكثف فيه إيقاعاته اللونية بحيث تتداخل الطبقات اللونية  فيما بينها ضمن مركزية الفكرة ، فهو يحول كل ما يجول بخاطره الى فيض من الالوان المتداخلة والمتجاورة بقصدية ليست عفوية ، بل تختزن نكهة من مزاج عراقي شرقي يشع بسطوع لوني متأثرا بقوة حرارة الشمس التي تعطي معنى حقيقيا لمعنى اللون ، لذلك فهو يحاول أن يؤسس لمدرسة لونية متميزة تفجر امكانيات اللون التعبيرية من خلال خلق توازن تجريدي  بين العلاقة الشكلية والتعبيرية الباطنية .
ان غاية الفن عند ( محمد سوادي) تأتي من ادلة روحية ، وما هو كفنان الا وسيط يحمل رسالة جمالية مهتديا برسالة تأملية تقترب من مذاق صوفي ، في التأمل بما تحويه الطبيعة من عوالم جمالية لاتعثر عليها الا عين  المتأمل،  فيعيد صياغتها وفق ذائقته الفنية بعيدا عن الاشكال الهندسية  ، بل يبني حلمه الاسطوري محاولا الامساك بما لا يمسك - قدر الامكان - وقد كان له ذلك .
وهكذا نجد تحولاً من طريقة التركيز لإظهار البريق اللوني، إلى تقنية استخدام الأجواء التي توحي بالعطاء اللوني، الذي يتحول أحياناً إلى صيغة تشكيلية لها علاقة بالفن التجريدي غيرالمتطرف في عفويته وحداثته ،  ليصبح سطح اللوحة مجالاً للتشكيل الحر ، بحيث تخضع معطيات العمل البصرية لحركة اللون التلقائي بعفوية اللحظة الإبداعية  فكل لمسة لونية في اللوحة هي كشف وايحاء.
فايقاع اللون يتكاثف ليشكل سمفونية تحاول ان تجمع أزمنه متفاوته في لحظة واحدة من خلال هارمونية بصرية تعيد رسم معالم الواقع وفق رؤية فلسفية ، تحمل الجوهر لتحيلة الى ما ورائية قصدية تتناغم بين الصفاء الروحي والتأمل العقلي ، انه يحاول ان يلملم اللحظات الهاربة الاكثر اشراقا ليخلق المتعة  ، حيث تتداخل الذاكرة على شكل  استرجاعات حلمية مشحونه بطاقات لونية متفجرة  تختصر المسافة بين الحلم والواقع ، في عوالم مستعارة تعيد للمشاهد نوعا من البهجة المدهشة لتفرد الفنان في تعامله مع اللون وفي اسلوبيته .
ان الفنان في جهده الابداعي  يحاول ان يعطي مفاهيم وتصورات و رؤية معاصرة للفن ، بما يعني العودة الى الذات  التي قادته الى البحث في وجعه الروحي القلق  فلم يجد غير تلك الصوفية  اللونية لاملاء شعور الاحباط والانتكاسة واعادتها الى بهرجة لونيه فرحه لكنها موجعة في ذات الوقت  ،  مسكون بعوالمة الداخلية اولا ، وبالعالم الطبيعي الذي يواجهه في دوامة البحث للامساك بالحقيقة الوجودية المعمقة  فان لم يستطع فلا بأس من التعلق في اطرافها  فهو لا يتحدث عن النهائية او التمامية في العمل الفني بل انه يجاهد للوصول الى مفاتيح تفكك  أو تقرب من الوصول بخلق منهج كياني متفرد يتوسل بنهج اهل المعرفة الروحية والاقتراحات الصوفية للتأويل . من هنا يظهر لنا هذا البعد  في عدم تجاوز الافق غير المنظور في اللوحة ، انه يحاول ان يبدع قراءة معمقة للوصول الى اشارات سردية لا متناهية من فيض ياتي من سرمدية الوجود ، انه صوت باطني  يتجلى في عيون الرائي مثل ظلال تتمخض بالتفجر الروحي لاثمار الخصب اللوني في جسد اللوحة ، ليفصح شاء ام ابى عن مكنون الذات ويحفز طاقة التفكير لدى المتلقي ، اذ لا تقتصر المعرفة على ما هو مألوف من المثيرات الشكلية المباشرة بل يتطلب الامر استثارة افق التفكير والانتباه الى ما قد   يغفل من معطيات الواقع في تنمية قدرات التخيل  لتجاوز محدودية  هذه المعطيات .
يقول الفنان ( بول كلي ) في هذا الشان: (ان العين تتحرك بسأم عندما تتأمل ما تعودت علية من الاشكال)  ومن هنا تبرز قدرة الفنان (محمد سوادي )  في ارساء  قدرة الابداع للوصول الى الاثراء الروحي عبر الخلط المبدع بين التجريد الواقع وما يعتمر بروحة من عشق ( الهامي - ذاتي)  لخلق نمط جديد من الخصوصية في استغلال طاقة اللون غير المحدودة للتعبير في مساحات تجريدية تزخر بايحاءات متكيفة مع الامتداد البصري بين المرئي واللامرئي الكامن في عمق العمل الفني . فهو اذن  يحاول دائما ان يجري حوارا بين الكتلة اللونية والمشاهد . ولان  الفنان ككائن من نوع خاص ، لايهمة في اخر الامر سوى الوصول بدعوته من اجل كون مليء بالقيم الجمالية النبيلة ، مختطا  لنفسه منهجا واسلوبا متفردا و بعيدا عن التقليد لخلق ظاهرة لونية عراقية التميز عالمية الاتساع ، فألوانه المبهرة الحامية تعكس جرأة الفنان في قصدية خلق تناقض صارخ بين الضوء والظل  وحرية اللمسة التجريدية  التي  تجعل انبثاق تألق الضوء من داخل المادة ،  انه يملك حساسية مفرطة تجاه الواقع وجوهر الاشياء عبر تجريدية تفاجئ المشاهد بزخم الايحاءات لتكثيف الامتداد البصري متخذا من هارموني الالوان قناعا للوصول الى العمق مبتعدا عن الرمز المكشوف وكل مظاهر التشخيص عبر دلالات غير محدودة في الخيال الابداعي .
ان اعمال الفنان ( محمد سوادي ) ستبقى دائما تثير الجدل بقدرتها اللونية على ايقاظ المشاعر ومنح المشاهد فرحا تأمليا ومتعة الغوص في تأويل اللون ،  ليكلم الصامت في روحه . ويبقى التميز في الابداع هو جوهر الخلود الدائم في تاريخ الفن.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram