كانت امسية يوم الأحد المصادف 30 10 2016 والتي أقامها المقهى الثقافي العراقي في لندن للفنان يوسف الناصر، من الأماسي التي اتاحت لجمهور المقهى المتعطش للمعرفة والمساهم الفعّال في إغنائها، للتعرف على تجربة فنان مثابر وجاد ويحمل بين جوانحه هموم وطنه و
كانت امسية يوم الأحد المصادف 30 10 2016 والتي أقامها المقهى الثقافي العراقي في لندن للفنان يوسف الناصر، من الأماسي التي اتاحت لجمهور المقهى المتعطش للمعرفة والمساهم الفعّال في إغنائها، للتعرف على تجربة فنان مثابر وجاد ويحمل بين جوانحه هموم وطنه وشعبه.
افتتح الأمسية الفنان السينمائي علي رفيق بكلمة ترحيبية شاكراً الضيف الفنان ومقدم الأمسية الشاعر فوزي كريم . وقد ذكّر الحضور بغياب ثلاث نجوم من سماء العراق المبدعة خلال هذا الشهر ، حيث فقدنا الفنان يوسف العاني والفنان عبد الجبّار البناء والفنان عمانوئيل رسام. والمقهى كما عودنا دائماً حريص على متابعة ما يطرأ على الساحة الثقافية وما يحدث فيها من أحداث ، وقد وزع القائمون على نشاطات المقهى استمارة تحتوي على اسئلة وخيارات عدة لمعرفة رأي الجمهور بما يقدمه المقهى من امسيات من اجل تطوير الأداء وتعميق المضامين وتنوع مواضيعها.
بعدها جاء دور الشاعر المعروف فوزي كريم، الذي رغم تعبه جاء ليقدم صديقه ويتحدث عنه كواحد من المعجبين بمهاراته وتنوع انشغالاته المختلفة. فذكر في انه كان يعتقد أن الفنان يوسف الناصر شاعر وليس تشكيلياً، لأنه كان يرافق على الدوام الشعراء الذين يترددون على المقاهي التي يرتادها الشعراء والكتّاب. ومن ملاحظات الشاعر فوزي كريم البارزة في هذا التقديم، هي تمسك الفنان باللونين الأسود والأبيض في ممارسة الرسم على قماش اللوحة، والابتعاد نسبياً عن الألوان، وهو بهذا يجعل من التخطيط أساس الفعالية الإبداعية برمتها. لأن الخط يعتبر الدفقة الأولى لإظهار المشاعر والمعاناة التي يتعرض لها الرسام عموماً. كما تطرق المقدم الى التفاصيل التي ازدحمت بها لوحات الفنان يوسف والتبسيط أو الاختزال كذلك.
بعدها جاء دور الفنان ضيف المقهى، الذي عرض لجمهور المقهى الكريم نماذج عدة من اعماله من مختلف الحقب والمراحل وباساليب متنوعة كما تطرق الى بداياته الأولى في المدرسة الإبتدائية ثم المتوسطة والثانوية. وتطرق أيضاً الى إشكالية النقد والكتابات النقدية الشائعة وهي عادة كتابات صحفية ، لأدباء غير مختصين بفن الرسم او النحت وعادة ما تكتب للمجاملات او التجريح، ونادراً ما يرى القارئ نقداً جاداً في صحافتنا ثم تحدث عن ندرة الكتب التي تهتم بالرسم العراقي وخلوها من المنهجية التي تدعم ما يقال فيها، إذ يغلب عليها الكلام الانطباعي العام .
كما عرض الفنان بعض ما عثر عليه في سفرته الأخيرة الى العراق،إذ وجد ان والدته قد احتفظت ببعض كراريس المدرسة الإبتدائية والمتوسطة وحتى شهادات النجاح في تلك المرحلة وقد عرض بعضاً منها كنماذج نادرة حقاً .
تحدث بعدها عن مرحلة الدراسة في أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد وما تعلمه هناك، كما اشار الى ضعف الطرق التدريسية والمناهج التي لا تخدم الطالب بشكل حقيقي، وعزا ذلك الى ضعف التجربة وانعدام التقاليد المتوارثة في هذا الخصوص، عكس الفن في الغرب وبقية دول العالم ، فهناك تراث ممتد الى عدة قرون ومكتبات عامرة وغنية وكذلك تجارب مفصلية في تاريخ الفن.
وتساءل الفنان الضيف عن كفاءة بعض الطرق المتبعة في التدريس داخل الأكاديمية وهل ان لها جدوى وتأثيرا على تعلم طالب الفن ام لا ؟. معتقداً ان الكثير منها قد لاينفع على المدى البعيد، لأنها لا تستوحي البيئة ولا المكان او الموضوع المفروض ان يتم التأكيد عليه.
ومن النقاط الهامة التي اثارها الضيف هي مشكلة القبول في مثل هذه المعاهد، فخلال فترة حكم حزب البعث، تحولت الأكاديمية الى مكان مغلق وخاص بالحزبيين والمنتمين الى تنظيمات الحزب الحاكم المهنية والنقابية وحرم غيرهم من القبول فيها، وكان كل طالب لا يقبل بكلية من كليات جامعة بغداد يلجأ الى اكاديمية الفنون، لانها لا تشترط المعدل العالي في القبول، ولهذا فقد هبط المستوى وحرم العديد من المواهب من فرصة الاستفادة منها.
بعدها أشار الفنان يوسف الى معرضه الهام ، الذي أقامه احتجاجاً على احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها عام 2003، والذي كان بعنوان "مطر أسود" إشارة للدمار والخراب الذي سببته هذه الحرب . وكان المعرض عبارة عن صرخة غضب ضد المحتلين وموقف صريح ورافض للهيمنة الأمريكية على مقدرات الوطن. وقد تم عرض هذه الأعمال في عدة امكنة في لندن وكذلك في فرنسا ولاقى صدى واسعاً وكتبت عنه الصحف الغربية التي كانت تتضامن مع شعبنا وتندد بالحرب الجائرة على عراقنا الحبيب.
ثم فتح باب الأسئلة والمداخلات ، فتحدث العديد من الحاضرين ، شاكرين الفنان الضيف على جهوده الخيرة ومثمنين نتاجه الإبداعي وطارحين بعض الأسئلة والملاحظات ، التي اجاب عليها الفنان ، وفي الختام شكر الفنان منظمي نشاطات المقهى وتمنى للمقهى التطور والتوسع في فعالياته كما اقترح عليهم ان ينظموا جلسة حوارية مخصصة لدراسة ازمة النقد الفني عندنا وبحضور مختصين ونقاد معروفين.