ثمة قادة كلام الكترونيون كثر أشبه بالعشاق الذين يموهون الحب بضباب من مفردات اللغة والكلائش الجاهزة التي تماثل ما يخطه سواق سيارات الاجرة من عبارات مستهلكة على سياراتهم فتكشف فقر أحلامهم ونضوب عاطفتهم وعجز ارادتهم ، فليس بالكلمات وحدها تدار الأحداث عند المنعطفات الخطيرة في حياة الشعوب . تتوالد في العالم الافتراضي اللامحدود ملايين الأقنعة الحماسية والشجاعة المتوهمة والأخيلة السياسية الجامحة ، فثمة نساء ورجال لا دور لهم في الحياة وليس لهم من منجز على ارض المواجهة سوى حماسة سياسية وشهرة آفلة تتحول تلك الشهرة الفائضة عن حاجة الواقع الحقيقي إلى مواقف فولكلورية تتمسك بها الشعوب المعزولة عن أدوارها والتي لارأي لها في أية معضلة تمر بها البلاد .
يتشبث هؤلاء الأفراد الصنميون بأفكار ثبت بطلانها وينصرف آخرون إلى استخدام الأدعية والضراعة لحل مشكلات سياسية مستعصية ومعضلات اقتصادية واجتماعية و يتقمصون - عندما تنشب الأزمات السياسية - أردية القادة الشعبويين والعشائريين وخطابهم بكل ما يظهره من تعميمات بائسة وأفكار مستهلكة يعوزها الوعي بمتغيرات عالمنا الراهن وتحولاته المعقدة، ويظهر هؤلاء حماسة فولكلورية مفرطة في مثاليتها العتيقة تستبعد العقل والتفكير العلمي وتستفز العاطفة في هياج اللحظة الراهنة ويدعم هؤلاء مواقفهم الاستهلاكية بمقتطفات وعبارات أيقونية تخطاها الزمن واثبتت التحولات الدراماتيكية العالمية فشلها ولاجدواها ؛ فتسهم مثل هذه السلوكيات التهريجية في إسدال أستار ضبابية على الحقائق تخدع بالأوهام وتخدر بالآمال المبهرجة .
تفضي هذه الفعاليات السطحية في معظمها إلى تقليص فرص التعرف الحق على معضلات عالمنا فأمام ( الحماسة الافتراضية في سياقاتها اللامحدودة ) تقف المعضلات الحقيقية والنزعات المتضاربة التي تنشط بين أحضان العالم الواقعي حيث تتحكم المصالح الشخصية والمواقف البراغماتية وتغيب الرؤية العقلانية للواقع وتنعدم امكانية إنهاض الوعي وعقد أواصر التفاهم عبر الحوارات المباشرة بين البشر لتبادل الخبرات الأساسية على الأرض حتى يتبين كل فرد معالم الطريق وأسلوب التعامل الواقعي مع الحدث ..
قد يظن المولعون بالحماسة الالكترونية والهياج العاطفي– الفردي والجماعي- انهم كائنات مؤثرة في العالم أجمعه وأنهم قادرون على قيادة الحشود بحماستهم الوهمية، بينما هم في الحقيقة كائنات معزولة عن الفعل ومنقطعة عن الجماعة البشرية وتحولاتها.
يقترح المفكرون متجددو الوعي والرؤية نصوصا وأفكارا ترمي إلى ايقاظ البعد الانساني فينا بعيدا عن الفضاء الالكتروني ولايتم شرط تلك اليقظة الا اذا كنا نرغب حقا في حياة انسانية عادلة ولدينا المحفزات الكافية لتغيير المسار وسط هذه الأرض اليباب والضباب الذي تثيره الحماسات الشعبوية والطائفية عبر التلفزة وهي تطوقنا في بيوتنا ومدننا ومواقع عملنا أو في مؤسسات الحكم التي تحاصرنا وتتحكم بالمصائر ، يقول أرنستو ساباتو :
(فلنمنح أنفسنا بعض الوقت، لنحلم بالرفعة التي يمكن أن نصبو اليها مرة أخرى إن نحن تجرأنا على النظر الى الحياة بطريقة مختلفة عن المألوف) ، غير أن الموهومين لايجازفون سوى بالكلمات من وراء شاشة مضيئة ضامنين سلامتهم ، بينما الحياة تتطلب المجازفة الحقيقية من أجل ان نعيد لشخصياتنا بعدها الانساني الذي افتقدناه وينعى علينا ساباتو في عصر الهيمنة العولمية هذا الوهم الافتراضي الذي يبعدنا عن جوهر الأمور ويؤكد أن جهدنا الافتراضي يغرقنا في لامبالاة جائحة ، بينما تحتكر السلطة والقرار كيانات مشخصنة تتحرك على الارض فتنفينا عن واقعنا ولاتعنيها حماستنا الافتراضية بل تمضي قدما في تنفيذ مخططاتها بإيقاد نيران الصراعات وسلب الحريات ومجمل الحقوق التي تعزز مدنية الدولة وعدالتها.
قادة الخطاب الإلكتروني وضباب الوهم
نشر في: 5 نوفمبر, 2016: 09:01 م










