4-4
لكن ماذا عن إيدوميني، المعسكر الذي تصدر اسمه وكالات الأنباء لشهور طوال؟ من يزور المكان سيندهش لنظافته الآن، لا أثر للخيم التي نصبها اللاجئون بشكل عشوائي، لا أثر لبيوت الصفيح أو الخشب التي بنتها المنظمات غير الحكومية ومنظمات الأمم المتحدة، فقط الجدار العازل، الأسلاك الشائكة التي تفصل الحدود بين اليونان ومقدونيا ما تزال هناك، يحرسها شرطة حدود، وما هو جديد، هو ما يواجه الزائر ما أن يذهب إلى شباك شراء التذاكر لشراء تذكرة للباص الذاهب إلى بوليكاسترو، بدون جواز سفر أو بطاقة شخصية، لا يستطيع شراء تذكرة، إجراء غبي حقيقة، لأنه يفتح باب السوق السوداء، من عنده الوثائق الرسمية يستطيع شراء التذاكر التي يشاء، يستطيع بيعها على اللاجئين بسعر أغلى، سكان بوليكاسترو يشكون كساد السوق، الفنادق التي كانت مملوءة بالزبائن هي فارغة، فقط سواق التاكسي هم الرابحون، لأنهم وسيلة التنقل الوحيدة للاجئين الذين ما زالوا يقيمون حول بوليكاسترو، (سواق التاكسيات عثروا على محطات انتظار جديدة، بوابات المعسكرات، كما في ليسبوس)، السلطات اليونانية، بكلمة أخرى العسكر اليوناني الذي نظف إيدوميني، وزع اللاجئين في معسكرات صغيرة عديدة، يديرها بنفسه، وهم لا يعرفون الرحمة هنا، يعاملون سكان المعسكرات مثل سجناء، لا يهم لهم ما يحدث هناك، الشروط غير الإنسانية التي عاشها اللاجئون في إيدوميني هي الآن ذاتها موزعة على معسكرات صغيرة، الفارق الوحيد أنها معسكرات منظمة ومغلقة غير مسموح الدخول إليها بدون تصريح رسمي، عائلات كبيرة تعيش في خيم صغيرة، تضرب فيها حرارة شمس الصيف اللاهبة، الأفاعي والعقارب تتجول بحرية، الأرض التي يفترشونها صخرية، لا كهرباء ولا ماء نظيفا، تواليتات وحمامات قذرة، الأمراض منتشرة، الجرب والحالات النفسية، ومن يريد تلقيح طفله، المرأة التي تلد، المريض حد الإغماء، لا علاج له في المعسكر، يحصل على ورقة من الصليب الأحمر الموجود في المعسكر تسمح له بالعلاج المجاني في مستشفى قريب، على المريض أن يؤجر تاكسياً للذهاب إليه ثم العودة، كما ان عليه أن يدبر حاله هناك بدون مترجم، ومن نفد عنده المال، عليه أن يبقى بملابسه الشتوية، ملابس الصيف لم تصل بعد، رغم أننا في شهر تموز، أما الإشعارات الرسمية التي يحصلون عليها، مواعيد المقابلة مثلاً أو غيرها، فتأتيهم عن طريق الأس أم أس!
الوضع اليائس هذا دفع العديد من اللاجئين إلى الهجرة المعاكسة. أية مفارقة! 100 يورو كانت حتى قبل شهر المبلغ الذي يدفعه الشخص للتهريب براً من اليونان إلى تركيا، بعد التشديد على الحدود البرية وارتفاع الأسعار في اليونان منذ الأول من تموز الماضي، أصبح المبلغ 350 يورو، وهو في ارتفاع مستمر، لأن الحل الآخر الذي بقي أمام الكثير من العالقين هناك، الذين لا يعرفون مصيرهم، هل هم مغادرون أم مطرودون، الذين يقضون وقتهم بين المرض والملل، الذين يصرفون على أنفسهم، هو إما: دفع مبالغ كبيرة (بين 3000 و5000 يورو) للفرد للتهريب عن طريق المطار إلى عاصمة أوروبية (ليس الكل يملك هذا الملبغ، كما ان ليس هناك ضماناً لاسترداد المبلغ في حالة الفشل) أو الثورة: "انها مسألة وقت وسنهجم على الجيش اليوناني"، كما قال لي أبو شنب، رجل سوري بأربعة أطفال عرفته من زيارة سابقة لي في نيسان الماضي لمعسكر إيدوميني، وهو الآن في نيا كابا (من الأفضل التكتم على اسم المعسكر) معسكر قريب من مدينة بوليكاسترو، معسكر لا يحرسه عسكر غليظو الطباع وحسب، بل كان حتى قبل شهرين مطاراً عسكرياً، ما تزال صورة طائرة عسكرية عند بوابته. لكن ربما تقدم هذه الصورة على الأقل العزاء الوحيد للأطفال الذين لا يملكون مكان لعب غيرها في المعسكر، ها هم يدورون حول القطعة واحداً خلف الآخر وهم يقلدون الطائرة في طيرانها!
يتبع
في زيارة آخر حصون أوروبا
[post-views]
نشر في: 8 نوفمبر, 2016: 09:01 م