TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > في زيارة آخر حصون أوروبا

في زيارة آخر حصون أوروبا

نشر في: 8 نوفمبر, 2016: 09:01 م

4-4
لكن ماذا عن إيدوميني، المعسكر الذي تصدر اسمه وكالات الأنباء لشهور طوال؟ من يزور المكان سيندهش لنظافته الآن، لا أثر للخيم التي نصبها اللاجئون بشكل عشوائي، لا أثر لبيوت الصفيح أو الخشب التي بنتها المنظمات غير الحكومية ومنظمات الأمم المتحدة، فقط الجدار العازل، الأسلاك الشائكة التي تفصل الحدود بين اليونان ومقدونيا ما تزال هناك، يحرسها شرطة حدود، وما هو جديد، هو ما يواجه الزائر ما أن يذهب إلى شباك شراء التذاكر لشراء تذكرة للباص الذاهب إلى بوليكاسترو، بدون جواز سفر أو بطاقة شخصية، لا يستطيع شراء تذكرة، إجراء غبي حقيقة، لأنه يفتح باب السوق السوداء، من عنده الوثائق الرسمية يستطيع شراء التذاكر التي يشاء، يستطيع بيعها على اللاجئين بسعر أغلى، سكان بوليكاسترو يشكون كساد السوق، الفنادق التي كانت مملوءة بالزبائن هي فارغة، فقط سواق التاكسي هم الرابحون، لأنهم وسيلة التنقل الوحيدة للاجئين الذين ما زالوا يقيمون حول بوليكاسترو، (سواق التاكسيات عثروا على محطات انتظار جديدة، بوابات المعسكرات، كما في ليسبوس)، السلطات اليونانية، بكلمة أخرى العسكر اليوناني الذي نظف إيدوميني، وزع اللاجئين في معسكرات صغيرة عديدة، يديرها بنفسه، وهم لا يعرفون الرحمة هنا، يعاملون سكان المعسكرات مثل سجناء، لا يهم لهم ما يحدث هناك، الشروط غير الإنسانية التي عاشها اللاجئون في إيدوميني هي الآن ذاتها موزعة على معسكرات صغيرة، الفارق الوحيد أنها معسكرات منظمة ومغلقة غير مسموح الدخول إليها بدون تصريح رسمي، عائلات كبيرة تعيش في خيم صغيرة، تضرب فيها حرارة شمس الصيف اللاهبة، الأفاعي والعقارب تتجول بحرية، الأرض التي يفترشونها صخرية، لا كهرباء ولا ماء نظيفا، تواليتات وحمامات قذرة، الأمراض منتشرة، الجرب والحالات النفسية، ومن يريد تلقيح طفله، المرأة التي تلد، المريض حد الإغماء، لا علاج له في المعسكر، يحصل على ورقة من الصليب الأحمر الموجود في المعسكر تسمح له بالعلاج المجاني في مستشفى قريب، على المريض أن يؤجر تاكسياً للذهاب إليه ثم العودة، كما ان عليه أن يدبر حاله هناك بدون مترجم، ومن نفد عنده المال، عليه أن يبقى بملابسه الشتوية، ملابس الصيف لم تصل بعد، رغم أننا في شهر تموز، أما الإشعارات الرسمية التي يحصلون عليها، مواعيد المقابلة مثلاً أو غيرها، فتأتيهم عن طريق الأس أم أس!
الوضع اليائس هذا دفع العديد من اللاجئين إلى الهجرة المعاكسة. أية مفارقة! 100 يورو كانت حتى قبل شهر المبلغ الذي يدفعه الشخص للتهريب براً من اليونان إلى تركيا، بعد التشديد على الحدود البرية وارتفاع الأسعار في اليونان منذ الأول من تموز الماضي، أصبح المبلغ 350 يورو، وهو في ارتفاع مستمر، لأن الحل الآخر الذي بقي أمام الكثير من العالقين هناك، الذين لا يعرفون مصيرهم، هل هم مغادرون أم مطرودون، الذين يقضون وقتهم بين المرض والملل، الذين يصرفون على أنفسهم، هو إما: دفع مبالغ كبيرة (بين 3000 و5000 يورو) للفرد للتهريب عن طريق المطار إلى عاصمة أوروبية (ليس الكل يملك هذا الملبغ، كما ان ليس هناك ضماناً لاسترداد المبلغ في حالة الفشل) أو الثورة: "انها مسألة وقت وسنهجم على الجيش اليوناني"، كما قال لي أبو شنب، رجل سوري بأربعة أطفال عرفته من زيارة سابقة لي في نيسان الماضي لمعسكر إيدوميني، وهو الآن في نيا كابا (من الأفضل التكتم على اسم المعسكر) معسكر قريب من مدينة بوليكاسترو، معسكر لا يحرسه عسكر غليظو الطباع وحسب، بل كان حتى قبل شهرين مطاراً عسكرياً، ما تزال صورة طائرة عسكرية عند بوابته. لكن ربما تقدم هذه الصورة على الأقل العزاء الوحيد للأطفال الذين لا يملكون مكان لعب غيرها في المعسكر، ها هم يدورون حول القطعة واحداً خلف الآخر وهم يقلدون الطائرة في طيرانها!
 يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

 علي حسين دائما ما يطرح على جنابي الضعيف سؤال : هل هو مع النظام السياسي الجديد، أم جنابك تحن الى الماضي ؟ ودائما ما اجد نفسي اردد : أنا مع العراقيين بجميع اطيافهم...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان البحر الاحمر فسيفساء تتجاور فيها التجارب

 علاء المفرجي في دورته الخامسة، يتخذ مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي شعار «في حب السينما» منهجًا له، في سعيه لإبراز هذا الشغف الكبير والقيمة العليا التي تعكسها كل تفصيلة وكل خطوة من خطواته...
علاء المفرجي

لمناسبة يومها العالمي.. اللغة العربية.. جمال وبلاغة وبيان

د. قاسم حسين صالح مفارقة تنفرد بها الأمة العربية، هي ان الأدب العربي بدأ بالشعر أولا ثم النثر، وبه اختلفت عن الأمم التي عاصرتها: اليونانية، الفارسية، الرومانية، الهندية، والصينية.. ما يعني ان الشعر كان...
د.قاسم حسين صالح

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

جورج منصور في عالمٍ يتسارع فيه كلُّ شيء، ويكاد الإنسان أن ينسى نفسه تحت وطأة الضجيج الرقمي والركض اليومي، يظلُّ (معرض العراق الدولي للكتاب)، بنسخته السادسة، واحداً من آخر القلاع التي تذكّرنا بأن المعرفة...
جورج منصور
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram