TOP

جريدة المدى > عام > الى انظار الدولة..نحو مؤتمر للسرديات العراقية

الى انظار الدولة..نحو مؤتمر للسرديات العراقية

نشر في: 12 نوفمبر, 2016: 12:01 ص

ظلت سلطة الشعر هي الأقوى في الهيمنة على المشهد الثقافي منذ ايام تظاهرات الحيدرخانة خلال ثورة العشرين , فالثائر ساعتها لايستمع الى نص سردي وهو يتظاهر ضد الاحتلال الانكليزي , بل تعينه الأهزوجة العامية أو الفصحى على تأجيج المشاعر والاستمرار في عمله الثو

ظلت سلطة الشعر هي الأقوى في الهيمنة على المشهد الثقافي منذ ايام تظاهرات الحيدرخانة خلال ثورة العشرين , فالثائر ساعتها لايستمع الى نص سردي وهو يتظاهر ضد الاحتلال الانكليزي , بل تعينه الأهزوجة العامية أو الفصحى على تأجيج المشاعر والاستمرار في عمله الثوري.
 وكانت للشعر –وما تزال – منزلته الاجتماعية والسياسية لدى الحكام والولاة قبيل ذلك .

ظل الشاعر نديم السلطان أو عدوه كامتداد تاريخي لعلاقة المتنبي بسيف الدولة وكافور وقبله علاقة الفرزدق بالامويين والهواشم , وعلاقة الكميت المتماهية مع آل البيت وغير تلك الامثلة كثير.
 حديثا وفي القرن التاسع عشر كان الولاة العثمانيون على بغداد يقربون مادحيهم من الشعراء ويهتمون بهم وقد نشأت علاقة طيبة بين داود باشا الوالي الشاعر وعبد الغفار الاخرس وعبد الباقي العمري كما نشأت علاقة طيبة بين ولاة البصرة والشاعر المؤرخ عثمان بن سند وسواه , وقد استمرت هذه العلاقة بين الحكام والشعراء خلال الحكم الملكي ,تتشنج تارة كما بين الرصافي والملك فيصل الاول وترتخي حينا , ولابد من القول هنا أن علاقة فيصل الاول بالرصافي لم تبدا في بغداد بل كان الاثنان عضوين في مجلس المبعوثان العثماني(وهو المجلس التشريعي للولايات العثمانية ) وكان الرصافي ممثلا للعراق مع سواه فيما كان فيصل ممثلا للحجاز.
واذا كنا هنا لانريد بحث هذه العلاقة بين تاريخ الرجلين نجد أن اهتمام فيصل الاول بالجواهري والحاقه بالبلاط زمنا نوعا من تكريم الشعر والشاعر , لكن الجواهري المتمرد لم ترق له صيغ البلاط فتمرد عليها وابتعد، فيما استطاع زميله الشيخ علي الشرقي أن يكون من الحاشية الملكية وأن يستوزر مرارا حتى انتهاء الحكم الملكي .
واذا كانت علاقة الحاكم الجمهوري عبد الكريم قاسم بالجواهري علاقة مرت بايام رخاء قليلة وايام شحن كثيرة,فإن هذه العلاقة تحكمها  النظرة الى فلسفة الحكم عندهما , حيث نظر قاسم الى تموز الانقلاب الى انه منته على الناس ونظر الجواهري الى اتجاهات الحكم المضطربة عند قاسم الى انها نوع  من هوس التعاظم اللامجدي,فكان ما كان واعتقل الجواهري واطلق سراحه بكفالة خمسين فلسا على سبيل الاهانة,ففهم الجواهري ذلك واغلق جريدته ( الرأي العام ) وغادر خاشية الخضوع وراءه ورحل مسرعا الى (براغ) حتى قامت احداث رمضان الدامية فانخرط في العمل السياسي المعار ض بشكل واضح .
اردت القول هنا عموما ان الحاكم كان بحاجة دوما الى شعراء مداحين وأن  بعامة لم يكونوا كذلك لكن سطوتهم واضحة على الحاكم والرأي العام, بل أننا نجد ملكا شابا مثل غازي يجتمع الى شاعر شعبي مرموق هو الملا عبود الكرخي ويتداولان قصائده المنتقدة لساسة العراق وللطبقة الاجتماعية المتنفذة.
 هذه العلاقة المتذبذبة بين تمرد الشاعر وارادة الحاكم المتسلطة لاتعني عدم خوف الحاكم من الشاعر , فقد كان الشاعر يشكل سطوته الاجتماعية الثقافية الخاصة التي بدت ملحقة بمصالح الدولة والحزب بعد انقلاب 17 تموز .
في كل الاحوال لم تأخذ السرديات دورها الكامل في بنية المجتمع العراقي وحكامه,ذلك أن الاهتمام بالقراءة عند المتعلمين والمثقفين  ظل في حدوده العامة معتنيا بالشعر والخطابة وغير حريص على الاهتمام بالسرد كلون مستورد,رغم أن العرب عرفوا فن القص والرواية منذ ماقبل الاسلام , وكانت ايام العرب تروى ملما تدون شعرا .
لسنا هنا في معرض مماحكة حول نسبة السرديات وتاريخها الحديث في الشرق ولكننا نجد أن ارتفاع نسبة الأمية الثقافية قد اضعفت ميل المجاميع المتعلمة لفنون السرد في العراق,ذلك أن التجمعات الريفية والمدينية التي تنصت بشكل دائم للحكواتي والروزخون في رمضان وفي محرم الحرام تقف عند السرد الشفاهي للوقائع موقفا ايجابيا دون أن يتحول هذا الايجاب الى قراءة مادة مدونة ..الا ماندر.
لقد استطاع كتاب القصة الاوائل في العراق الحديث ان يحفروا الصخرليكتسبوا مكانتهم التي يستحقونها في البنية الثقافية العراقية التي انبنت اساسا على الشعر والخطابة وفن المقالة والاداء الشفاهي للسرديات,ولذلك فإن عملا كبيرا ينتظرأهل السرد الحديث ونقادهم ولكي يحولوا اهتمام المجتمع الثقافي العراقي الى بناء اسس قويمة لفكرة الدراسات السردية العراقية ,لاتبدأ باختيار استاذ جامعي لرواية عراقية لتدريسها جماليا لطلبته, بل أن يعقد مؤتمر عام للسرديات  تكون الدعوة اليه مرنة وعملية لايكتفي فيها المسؤولون بحضور جزء من الجلسة الاولى والتقاط الصور , بل أن يجري التحضير المتكامل لهذا المؤتمر ونحن نحارب الارهاب معا.
الارهاب دمار العقل الانساني ومقاومته بناء لديمومة النشاط الانساني الذي يضيء للمجتمع قيمه وبنيته المعنوية, والاحتفاء بالسرد العراقي نوع واضح من الرد على  الموات المجاني للبؤر التكفيرية .
 ان قيام مؤتمر لاهل السرد يعتني بالدراسات السابقة ويضع اسسا علمية لجمع ما تناثر من ادب قصصي عراقي وارشفته ,والعناية باعادة طبع المفقود من نصوص البناة الاوائل مثل محمود السيد وايوب والخليلي ولطفي والعناية بادب من تشرد في المنافي  مثل كارنيك جورج  وعدنان روؤف ومحمود سعيد ومن استشهد مثل عبد الجليل المياح وحاكم محمد حسين وبنت الهدى وسواهم,كما أن انشاء مجلة خاصة لدراسات القصة العراقية ونشرها والعناية بنتاج الشباب وطبعه وتعضيد منتجيه يبدو ضروريا وعلاجا لظاهرة ابتزاز هواة النشر لهم واستغلالهم .
افكاركثيرة يمكن أن يحويها مؤتمر السرديات العراقية المنشود ,والمهم أن تبدأ وزارة الثقافة والجامعات العراقية وبيت الحكمة ثم اتحاد الادباء بالخطوة الاولى ,شرط المؤازرة المادية المباشرة من قبل مجلس الوزراء, ويكون ها العمل جهدا في الصناعة الثقيلة للادب العراقي وليس مؤتمرا على الخفيف ,توزع فيه الباجات والشهادات التقديرية امام الكاميرات وتكتب التقارير الصحفية السريعة عنه وينتهي الامر.
نريد مؤتمرا عمليا يعنى بالبناء  الجاد الحقيقي لجمع ما تناثر والاشادة بما انتج وتقويم التجارب السابقة في السرد ونقده معا,والبدء بخطوات جادة وجديدة لاضاءة التجارب السابقة والعناية بها طباعة وتقويما نقديا.
هذه وجهة نظر ودعوة مخلصة وجدت من الضروري عرضها لجمهرة المثقفين واركان الدولة ومؤسساتها الثقافية  والامل المرجو ان تعزز بآراء اخرى تغني المقترح  وتؤطره  لنصل عمليا الى التنفيذ المرجو دون ان ننسى ان حبال الدولة طويلة ونفسها ليس مع الادب واهله,لكن واجبنا ان نطالب ونلحف في الطلب ..لعل ..وعسى

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بتهمة التطاول على العراق.. حبس الاعلامية الكويتية فجر السعيد

حراك حكومي لمعالجة "أزمة" الكهرباء.. محاولات لوقف استيراد الغاز بحلول عام 2028

المالية النيابية: لا تعيينات جديدة في موازنة 2025

العراق يسجل 62 هزة أرضية خلال كانون الثاني

داخلية كردستان تحذر من استغلال الاحتجاجات لزعزعة الأمن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

كلمة في أنطون تشيخوف بمناسبة مرور 165 عاما على ميلاده

الحصيري في ثلاثة أزمنة

موسيقى الاحد: احتفاليات 2025

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا

تنويعات في الوضوح

مقالات ذات صلة

الهوية والتعبير الاسلوبي.. مشتركات تجمع شاكر حسن واللبناني جبران طرزي
عام

الهوية والتعبير الاسلوبي.. مشتركات تجمع شاكر حسن واللبناني جبران طرزي

خضير الزيدي مرت التجربة الفنية العربية بعدة متغيرات اسلوبية وطروحات فكرية ومنها (التجربة العراقية واللبنانية وبعض الدول العربية) وكانت مرحلة ستينيات القرن المنصرم الفترة الملفتة حسب اراء نقاد الفن ومنها انطلق الفن العربي مواكبا...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram