خمسة آلاف قتيل في ثلاثة ايام لم يعد سراً منذ وقت طويل، الدور المحوري لوكالة المخابرات الاميركية (سي.اي.أي) في تنفيذ انقلاب 8 شباط عام 1963 الدموي، فقد اعترف احد قادته ، علي صالح السعدي في وقت مبكر بأنهم جاؤوا الى السلطة "في قطار اميركي". لكن الكثير من خفايا هذا الدور لم يعرف الا في السنوات الاخيرة ، الان وبعد (47) عاماً على هذا الحدث الدامي ،
الذي ترك بصماته على مسار الحياة السياسية في بلادنا، تسلط "رسالة العراق" الضوء على هذه الحلقة الغامضة في انقلاب 8 شباط المشؤوم وتعرض بعض ما توفر من معطيات وحقائق استناداً الى مصادر عدة. كشف الكاتب والصحفي المعروف محمد حسنين هيكل رئيس تحرير صحيفة "الاهرام" انذاك، استناداً الى الملك حسين ان "جهاز تجسس اميركياً" كان على صلة بحزب البعث في العراق نقل الى الاخير، عبر اذاعة سرية، اسماء وعناوين الشيوعيين العراقيين كي يقوم الانقلابيون وزمر "الحرس القومي" سيئ الصيت باعتقالهم وتصفيتهم جسدياً. ومن المؤكد ان الجهاز الذي جرت الاشارة اليه هو وكالة الـ "سي.آي.أي" وشملت تلك التصفيات ايضاً الكثير من الشيوعيين الذين كانوا لحظة وقوع الانقلاب في السجون والمعتقلات حيث احتجزوا في عهد عبد الكريم قاسم. وقدرت مصادر الحزب الشيوعي عدد الاعضاء والمؤيدين الذين قتلوا في الايام الثلاثة الاولى من الانقلاب، اثناء تصديهم للانقلابيين أو في عمليات الملاحقة، بحوالي خمسة آلاف شخص. (المصدر "الثقافة الجديدة" العدد 138، شباط ، عام1982، ص78 -82) كما اشار احد المصادر الى دور غامض ايضاً في (اطاحة قاسم) لعبته المخابرات الفرنسية – "جهاز التوثيق الخارجي لمكافحة التجسس". (مجلة "ذي ميدل ايست"- آب عام 1981، ص33). وتبين لاحقا ان المصدر الاساسي للمعلومات التي استندت عليها القائمة باسماء الشيوعيين والديمقراطيين وبثتها اذاعة سرية من الكويت، هو (وليام ماكهيل) ، عميل وكالة المخابرات المركزية الاميركية الذي كان يعمل تحت غطاء مراسل لمجلة "تايم" الاميركية وهو شقيق (دون ماكهيل) الذي كان آنذاك ضابطاً رفيع المستوى في الوكالة في واشنطن ويشار الى ان المصدر الذي كشف اسم ماكهيل وهو مراسل سابق آخر لمجلة "تايم". حصل ماكهيل على الاسماء في بيروت من ضابط سابق في جهاز الامن العراقي في العهد الملكي كان نائباً سابقاً لبهجت العطية مدير الامن آنذاك الذي اعدم بعد ثورة 14 تموز عام 1958، وكان بعض تلك المعلومات قديماً، ويجد ذلك تفسيره في شمول عمليات القتل اشخاصاً لم يكونوا اعضاء في الحزب الشيوعي عند وقوع الانقلاب، لكن برغم ان ماكهيل قدم القائمة الاطول، فأنه لم يكن المصدر الوحيد، وكان بين المصادر الاخرى ضابط كبير في الاستخبارات المصرية، وعناصر بعثية في لبنان، ومجموعة صغيرة يقودها صدام حسين اثناء وجوده في القاهرة، اضافة الى اشخاص آخرين، ولا يستبعد ان تكون بعض اسماء الضحايا أدرج على القائمة لتصفية حسابات وثارات شخصية. وطلبت الوكالة ثمنا في المقابل، فحسب هاني الفكيكي الذي كان احد المشاركين البارزين في الانقلاب، سلم الحكام الجدد لويلهام ليكلاند، مساعد الملحق العسكري في السفارة الاميركية في بغداد واحد ضباط وكالة "سي.آي.أي" اسلحة روسية من ضمنها طائرة "ميغ 21" ودبابة من طراز "تي -54" وصاروخ "سام" كي تتمكن الولايات المتحدة من تقويم فاعليتها ، وكان ليكلاند موجوداً ايضاً في القاهرة عندما اطيح بالملك فاروق. وفي نيسان (ابريل) عام 1963 ، نقل اميركيون جواً، من تركيا وايران الى كركوك ، اسلحة اسهمت في تمكين الحكام من محاربة الشعب الكردي. وينقل الكاتب المعروف سعيد ابوريش عن الدكتور احمد الجلبي، احد قادة "المؤتمر الوطني العراقي" حالياً، قوله ان المنافع التجارية التي جناها الاميركيون لم تكن اقل اهمية فقد منحت شركات اميركية مثل بارسونز، وبكتيل وموبيل ، وغيرها عقوداً وامتيازات. واصبح روبرت اندرسون ، وهو وزير خزانة سابق في عهد ايزنهاور واصبح في وقت لاحق مديرا لشركة (واجهة) لـ سي آي أي تدعى انترسر تألف مجلس ادارتها من عملاء للوكالة باستثناء جاك ماكرين ، اصبح الشخص الابرز في العلاقات التجارية بين اميركا والعراق، وكان التعاون بين ويليام ليكلاند وصالح مهدي عماش وضباط اخرين من قادة الانقلاب مكشوفاً وكاملاً.
سبعة واربعون عاماً على مجزرة 8 شباط
نشر في: 7 فبراير, 2010: 05:16 م