أود التأكيد هنا، يقول الكاتب البريطاني الباكستاني حنيف قريشي Hanif Kureishi في مقابلة نشرتها الغارديان، أن الكتابة اليوم، وبوجه خاص الكتابة بالانكليزية، حالة صحية على نحوٍ مدهش، وأن الكتابة من الهند، وباكستان، وبقية شبه القارة، حيوية جداً حالياً. كما
أود التأكيد هنا، يقول الكاتب البريطاني الباكستاني حنيف قريشي Hanif Kureishi في مقابلة نشرتها الغارديان، أن الكتابة اليوم، وبوجه خاص الكتابة بالانكليزية، حالة صحية على نحوٍ مدهش، وأن الكتابة من الهند، وباكستان، وبقية شبه القارة، حيوية جداً حالياً. كما أن هناك الكثير من الكتابة الجديدة يخرج من أفريقيا. وهكذا فبالرغم من أن الناس يتحدثون طول الوقت عن موت الرواية، والكتابة أيضاً، فإنهم لم يتخلوا، كما هو واضح، عن فكرة أن الرواية شكل مركزي للتعبير عن العمقين الاجتماعي والسايكولوجي معاً للحياة الإنسانية.
* هل ترى أن كافكا سيعني أي شيء لنا اليوم؟
- أحد الأمور التي لاحظتها بشكل خاص، فيما يتعلق بصغاري المراهقين، أن هناك انقطاعاً قد حصل بين ثقافة الماضي وثقافة الحاضر. لقد نشأ أطفالي على الأغلب في التسعينات وأوائل الألفية الثانية وهو ما يعني أن منجبيهم كانا في الواقع شركتي سوني وأبل الألكترونيتين. فقد نشأوا كلياً تقريباً على ما أشير إليه بـ " الألكترونيات ". وما يعنيه هذا هو أن انتقال الإنسانية، أو التقليد الإنسانوي humanistic كما أراه، يتعرض لخطر الفقدان. من دون وجدَنة الماضي. أود القول إن الكتب التي كان يقرأها جدي نقلها إلى أبي، وكانت في مكتبة أبي التي تعلمتُ عليها أنا نفسي. وستكون تلك مأساةً إذا ما تعرض هذا الشكل من الانتقال الثقافي، تاريخ القيَم هذا، للتآكل على أيدي الصغار الذين يتلقون تعليمهم من الوسائل الإعلامية الألكترونية، وليس من الكبار المتعلمين. لقد نشأنا في الستينات، في وقت كانت السلطة فيه تتعرض للهجوم، لكن يبدو لي الآن أنها مأساة بالنسبة لنا أن نعتبر كل السلطات شريرة أو فاشية. وستكون المأساة أكبر إذا ما اعتبر الصغار أنفسهم مستهلِكين فقط. وإذا ما كان بعض الشباب يذهبون إلى سوريا للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية فيمكنك القول إنها مثالية في غير محلها الطبيعي. ومن الفظيع التفكير، على الجانب الآخر، بأن صغارنا مستهلِكين وقد تخلوا بذلك عن المثالية والسياسة معاً. فمع أنه قد حُكم علينا بأكثر من خمس سنوات من حكم المحافظين، لا يترتب على ذلك أن نكون خائبي الرجاء أو أن نتخلى عن التفكير ببدائل لهذا الشكل من الرأسمالية المفرطة المتّسمة بالطابع النخبوي والعدواني الذي سيدمّر قيَم ما بعد الحرب، وبوجه خاص دولة الرفاه، التي ما أزال أتمسك بها كثيراً، بطريقتي الوجدانية.
* يقال إن كتابتك قد تسببت في نزاع مع الأسرة بسبب ما تضمنته كما يبدو من أمور السيرة الذاتية. فهل كان الأمر يستحق ذلك، وهل تمنيت يوما لو أنك كنت قد كتبت شيئاً مختلفاً تماماً؟
- هناك بعض النزاعات، بعض أشكال الحساسية، التي تستحق الانغمار فيها. فعكس النزاع هو الانسجام التام أو الهمود. وسيكون شكلاً من أشكال الموت أن تظل صامتاً. ولهذا عليك أن تقول ما ستقوله، وستكتشف عندئذٍ كيف يرى الآخرون ما قلت. فالصمت أسوأ. والحقيقة، أنك لا تعرف حقاً كيف سيتلقى الآخرون أعمالك الفكرية، لكنك إن بقيت ساكتاً، فإنهم لن يكتشفوا أبداً. وسيكون من السُّخف أن تفكر بأنك تستطيع أن تعيش في عالم من دون نزاع؛ وهناك في النزاع قدر من الحقيقة، وبودي أن أوصي بالدخول في نزاع جيد، حيث يمكنك أن تشعر بالحاجة لقول الحقيقة. وحين تكتب، فإن أول شيء يجب أن تفعله هو قول رأيك في ما تبدو عليه كتابتك. وهكذا فإذا ما كانت ذات قيمة لأي إنسان، سواء كان كاتباً حقيقياً أم غير حقيقي، فإنه سيحدّث نفسه في الأقل عن ذلك بصدق.
* يأسرني كثيراً الاهتمام الذي يتضمنه أدبك القصصي بالعلاج النفسي. فهلّا حدثتنا قليلاً عن ميلك إلى هذا في كتابتك وما الذي يحدث في غرفة المعالج النفسي.
- لقد قرأت الفلسفة في الجامعة وأصبحت في أواسط السبعينيات مهتماً بعمل فرويد، ولابين، وفوكو، وديلوز وغيرهم. وكانت الحياة الفكرية الفرنسية في فترة ما بعد الحرب مثيرة جداً، مقارنةً بما كان يجري في المملكة المتحدة. فكانت الفلسفة والتحليل النفسي، بالنسبة لي، يتقاطعان وكانت انشغالاتهما متماثلة جداً. وهكذا كان بإمكاني، من خلال الفلسفة والتحليل النفسي، أن أفكر بالعنصر، والجنس، والسياسة المعاصرة، والعوائل، والجنون، إلى آخره. و لا يمكنني أن أقول كيف أغنى ذلك عملي بالمعلومات. وكنت في بداية عملي مهتماً بالكتابة عن العنصر لأني جئت من خلفية مختلطة العناصر، وكنت أرى أنه مع أن بريطانيا كانت تتغير من فترة ما بعد الحرب، فإن كتّاباً وفنانين قليلين كانوا يشعرون بأنهم في وضع مناسب للكتابة عن ذلك. وأتذكر أني قرأت عملاً حول رجل أسود يذهب ليعلّم في مدرسة للبيض في أيست أند، ففكرتُ بأني أود أن أكتب عن هذا الموضوع. نهاية الامبراطورية وبداية شكل جديد من الكولونيالية ضمن بريطانيا. وحين أوشكت على تأليف "بوذا سكان الضواحيThe Buddha of Suburbia " ووجدتُ صوتاً ونغمةً وأسلوباً لهذا، كان هو الكتاب الذي كنت أحاول أن أكتبه منذ أن كنت في سن 14 أو 15. الكتاب الذي سيدور حول العنصر، الموضة، المخدرات، الموسيقى، التجريب الجنسي ..، وقد عشت الكثير من ذلك. لكنك إذا لم تكن تستطيع أن تكتب ما حدث لك بالأمس؛ عليك أن تجد مقاربةً أو وجهة نظر تمكنك من الكتابة بحرية.
* ما الأهم بالنسبة لك، أن تكون كاتباً جيداً أم أباً جيداً؟
- أن تكون أباً هي المسؤولية الأهم التي تتحملها، لكنني فنان جزئياً من أجل أن أكون أباً. فنحن الكتّاب 50% من الواحد منا فنان و 50% صلات اجتماعية. ونحن نحاول أن نعيش مما نفعل. وأحد الأمور التي أفخر بأني أنجزتها هو العيش من كوني كاتباً منذ أن كنت في أواسط العشرينات من عمري. وحين أعود للماضي، أصاب بالذهول لأن يكون واحدا بمثل خلفيتي قادراً على تأمين معيشته من احترافه الكتابة. فبإمكاني ان أرى كم كان ذلك صعباً وبشكل متزايد. كما أود أن يرى أطفالي ماذا يعني أن تكون للواحد صنعة أو وظيفة، ماذا يعني أن يكون لديه عمل يحب القيام به. وسيكون ذلك في الأقل درساً واحداً أود أن أمرره إلى الصغار.
* لقد كنتَ صريحاً جداً في الكتابة عن الجنس .. هل صار البريطانيون أكثر صحةً، وأكثر انفتاحاً، وأقل كبتاً في الموقف من الجنس الآن مما كانوا عليه في الثمانينات والتسعينات؟ أليس من الصعب الكتابة عنه؟ وماذا فعلت بـ "جائزة الجنس الرديء" الأدبية ــ هل المسألة هزلية وجديرة بالاهتمام، أم هي أمر عرَضي من أمور تحرجاتنا بشأن الجنس؟
- يقال أن البريطانيين كان لهم موقف مكبوت في الخمسينات والستينات، بدا لي أنه اختفى سريعاً. ولا أود القول إنني أكتب عن الجنس خصوصاً كفعل، فأنا أرى أنني أكتب عنه كشكل من أشكال العاطفة. ولهذا فإنك لو نظرتَ إلى فيلم "الأم"، أو "لوندريتي الجميلة"، أو حتى "Le Week-en"، فإنك ستقول إن هذه قصص عن ارتباط أناس بعضهم ببعض، عاطفة أحدهم نحو الآخر. وما يحدث حين تشتعل تلك العاطفة، في حالة "الأم" أو "فينوس"، أو ما يحدث حين تخبو، في حالة "Le Week-end". ولن أفصل الجنس عن الشخص أو الشخصية التي أكتب عنها أبداً. ليس هناك جنس من دون معنى.
إنني أكتب ليس عن فعل أو وضع معين، وإنما أكتب عما سيعنيه شكل معين من الرغبة نحو جسدٍ ما وكيف سيغيّر ذلك حياتيهما. وبعد كل شيء، فإن آنا كارَينينا، مثلاً، لا تمارس الجنس فقط، فهي تقوم بشيء ما انتهاكي على نحوٍ عميق، والرواية كلها تدور حول معنى ما تفعل.
والناس يمكن أن يكتبوا بشكل رديء عن أي شيء. مشهد طبيعي، كرة قدم ... فالكتابة كلها صعبة بالنسبة لأولئك الذين لا يمكنهم القيام بها وبسيطة بالتأكيد بالنسبة لأولئك الذين يستطيعون ذلك.
عن/ The Guardian