ترجمة: عادل العامل[كيف يمكن لأحدنا أن يتدبر جعل مقاومته أكثر وضوحاً. تلك هي الطريقة التي يصل بها المرء إلى اللب. بواسطة، أوباكتشاف، مقاومته هو. إنها أيضاً الطريقة التي يجعل بها من نفسه الشاعر- في الأقل - ذا فائدة للمجتمع"].
تشارلس أولسون يتوجب على مواطن العالم الثالث أن يغادر موطنه إذا ما أراد ليس النجاح فقط بل والانتصار أيضاً، كما يقول كاتب هذا العرض النقدي روبرت بوكيَي. وإذا فعل هذا، لن يكون باستطاعته أبداً أن يعود إلى موطنه مرةً أخرى. ومن هنا نجد سالي، المواطنة السينيغالية، بطلة رواية الكاتبة فاتوديوم (بطن الأطلسي The Belly of the Atlantic)، تقول هنا في زيارة لها إلى نيوديور Niodior، الجزيرة السينيغالية التي ولدت عليها "إنني أذهب إلى موطني كسائحة في بلدي، إذ أنني أصبحت " الآخر " بالنسبة للناس الذين أدعوهم عائلتي". وحين تتوقف في فندق على البر الرئيس من بلدها، يفكر كاتب الفندق بأنها عاهرة ويسألها متى يأتي زبونها ليدفع أجرة الغرفة. فليس هناك من امرأة سينيغالية يمكنها أن تدفع عن غرفة من جيبها.فأنْ تغادر في المقام الأول يعني أن تنجح وذلك ينفي أية إمكانية للفشل. وكما تذكر سالي " المغادرة تعني امتلاك الشجاعة الضرورية لأن يذهب الواحد ويلد نفسه ". ويُصبح منارةً لأولئك الذين يتبعونه ويتولى مسؤولية تسهيل مرورهم. " إن الذاكرة الجمعية تظل تشير بالقول المأثور الذي مفاده : أن ما يخص كل واحد، يخص الجميع " كما تقول سالي. أما أن يفشل، فهوفشل لأهل القرية، إحباط لهم بالقدر نفسه إن لم يكن أكثر منه. وكما يكتب جون بيرجَر، " في مغادرته القرية، يختار المرء ذلك على مسؤوليته ". ولا يعرف ابن البلد حقاً من أين هوحتى يغادر. فقد لا يرى عمه أوخاله مرةً أخرى، وقد كان على سالي أن تغادر". فالمجتمع التقليدي راحة كبيرة‘ لكنه يجرجرك ويكتم أنفاسك.. سيهزمون الفرداني البريء منك ويضعونك على الهامش ", تفكر سالي. فقط في فرنسا ستمتلك الحرية لتعيش الحياة التي تريد، لكنها تعرف أنه " في أوروبا، أنتم سود أولاً، ومواطنون بشكلٍ عارض، ودخلاء بصورة دائمة"، وهي من الآن فصاعداً ستكون بيضاء بالنسبة لأولئك الذين على الجزيرة لكنها ستظل على الدوام سوداء في فرنسا.وتُصبح كاتبةً ناجحة في فرنسا، مناصرة معتدلة لمساواة المرأة بالرجل كما تدعونفسها، " تود أن تكون مدام كوري بكعبٍ عالي"، وتُشاهَد على التلفزيون هناك في نيوديور. ويتطلع إليها أخوها، ماديك، بوجهٍ خاص، لتساعده كي يصل إلى فرنسا وبذلك يمكنه أن يسعى إلى الفريق القومي الفرنسي لكرة القدم. فكرة القدم هي حياته وبطاقة الرحيل عن الجزيرة مثلما كان التعليم بالنسبة لها.ولمعرفتها صعوبات النجاح هناك، تكرر له الحكاية التحذيرية التي كان معلمها نديتيرNdetiare يحكيها لتلاميذه كي يردعهم عن التفكير بأن كرة القدم مهْرب، مستشهداً بمثال موسى، وهولاعب كرة قدم من الجزيرة فشل في أن يكوِّن فرقاً فرنسية. فقد كان لموسى وكيل لا ضمير له ويجد نفسه مع ديون لا يمكنه تسديدها أبداً، الأمر الذي يلزمه بأن يقضي بقية حياته في عملٍ شاق يقصم الظهر. فهوبمغادرته نيوديور قد انتصر، لكنه لن يعود أبداً وقد قهر فرنسا، ولا يستطيع أن يدع عائلته تعرف أنه فشل. غير أن ماديك يدعوسالي بالأنانية ويتهمها بأنها قد أصبحت أوروبية، " فردانية". وبالرغم من أن سالي تتفهم حاجته للبحث عن إمكانية وحرية لا يمكنه الحصول عليهما في موطنه، فإنها ترى أن خيارها مختلف عن خياره. فهوقد ينجح كلاعب كرة قدم، لكنه سيظل يُستخدَم ويستهلك من قِبل البلد الكولونيالي. وهي ترى هذا بشكل أوضح في رد الفعل الفرنسي تجاه تغلب السينيغال على فرنسا في كأس العالم، الذي يرفض الإقرار بأية قدرة للمنتصرين. وككاتبة، يمكن لسالي أن تنجح في سوق الأفكار وتحافظ على استقلالها في فرنسا. وترسل نقوداً إلى أخيها ماديك ليفتح له متجراً." ليس لدي عصا سحرية لأشقَّ بها الماء "، لدي فقط قلم يحاول أن يشكّل طريقاً لا يمكن أن يسلكه هو"، هكذا تفكر سالي. والقلم الذي أخذها بعيداً عن موطنها نهائياً، حتى لوأنها لا تستطيع أن تغادر موطنها، لا يستطيع، في الواقع. " إنني أحمل مسرحاً غير مرئي في داخلي يعج بالأشباح. فقط الذاكرة تقدم لي مسرحها "، الذي يتضمن جدتها التي ساندتها للاستمرار في المدرسة، " المنارة المرتفعة من بطن الأطلسي التي تضع ملاحتي المنعزلة على المسار"؛ ومعلمها، نديتير (المنفي من فرنسا)، الذي أعطاها الأدوات الضرورية لتكون كاتبة؛ وعائلتها، والأرض، وهي تفهم أن الحرية التي تتمتع بها في فرنسا لا شيء ما لم تتضمن أولئك الذين خلَّفتهم وراءها.وتعلّق قائلةً " إنني أبحث عن بلدي على صفحة بيضاء، دفتر يمكن أن يناسب حقيبة سفري". وتضبف أن الرحيل هوالأفق الوحيد المتبقي. فبالنسبة لسالي، يجب أن يتضمن البلد الذي تبحث عنه، بالضرورة، ذلك البلد الذي غادرته، ومواجهة البلد الكولونيالي الذي أنكرته حياتها هي؛ حلم اليوتوبيا&
الكاتبة السينيغالية ديوم.. والعيش على ذاكرة الكتابة فـي المنفى
نشر في: 7 فبراير, 2010: 05:34 م