من يقرأ التعليقات وردود الفعل التي صدرت بمناسبة فوز الأميركي دونالد ترامب في الانتخابات الرئيسية الأخيرة سيعجب، كيف أن في المرة هذه، الجميع متفقون، على أن فوز هذا الكائن الذي يبدو غريباً للوهلة الأولى، يشكل كارثة عالمية، أشبه بتسونامي اكتسح كل التوقعات واستطلاعات الرأي، البعض ذهب في قوله، وهم كثيرون بأن مع رئاسته ستبدأ مرحلة جديدة، حيث من الممكن أن يصنف العالم التاريخ قبل مرحلة انتخاب ترامب أو بعده.
إنه لأمر غريب بالفعل هذا التوافق في الآراء الذي حملته التعليقات التي جاءت من كل زاوايا هذا العالم المقبل على الخراب (إذا لا يكون خرباً مقدماً)، والذي لا تضيف التعليقات له إلا خراباً زائداً، إنه لغريب بالفعل هذا التوافق في الآراء الذي يحدث للمرة الأولى في تاريخ العالم في الآراء، يساراً ويميناً، شرقاً وغرباً، توافق طال كل القوميات والأديان والأجناس، لكي لا نقول طال الأنس والجنس، فالتحذيرات التي اطلقها الجميع، تحذر كلها مما نحن مقبلون عليه، ربما كان ذلك مفهوماً، أو ربما كان رد فعل طبيعي، خاصة في ما يتعلق بمعسكر اليسار والليبراليين، لكن الأكثر غرابة في الموضوع، هو رد فعل أصدقاء أميركا، إنهم هم المرعوبون أكثر، بدأوا يدقون نواقيس الخطر بأعلى قوة، في أوروبا مثلاً، حيث بدأ التفكير بتشكيل جيش أوروبي للدفاع عن أوروبا، بعد تصريحات ترامب القائلة، إنهم لن يتركوا الجنود الأميركيين في رومانيا وبولندا وغيرها يدافعون عن تلك البلدان هناك، بل على هذه البلدان أن تدافع عن نفسها، أمر جعل المعلقين يقولون، إن ترامب يسلم شرق أوروبا إلى روسيا مجدداً، كأن البلدان هذه تعودت أن يدافع عنها أحد، لا تأخذ حريتها بيدها، أما العرب من أصدقاء أميركا، الذين تربطهم علاقة غرامية حميمية معه، المملكة العربية السعودية مثلاً ودول الخليج، هي الأخرى عبرت عن خشيتها من ترك عشيقها الأبدي لها، فحسب ما قال ترامب، أنه لن يدافع عن أحد في المستقبل دون أن يدفع ثمن هذا الدفاع، تصريح دفع المعلقين في الخليج وفي وسائل الميديا التابعة له، وهي كثيرة، تبدأ من جريدة الحياة والقدس العربي والعربي الجديد والعربي القديم وغيرها من الصحف المرتشية، والقنوات التلفزيونية العربية والجزيرة وغيرها من ميديا الأكاذيب والديموغاجية، يعيبون على أميركا أنها تتحول بهذا الشكل إلى "بلد مرتزقة"، كأن أميركا وهي تلعب دور الشرطي في كل مكان في العالم لم تفعل ذلك طوال كل هذه العقود، فقط أن الأمر اختلف هذه المرة، جاء رئيس جديد، غريب الأطوار، يطلب الدفع بالكاش ومقدماً، وليس كما جرت عليه العادة على شكل عقود صفقات سلاح وبيع نفط بثمن بخس!
المحصلة: كان لأصدقاء أميركا هؤلاء أن يقبلوا دونالد ترامب، من غير المهم أن الميلياردير الأميركي هذا الغريب الأطوار فاز في الانتخابات، وفاز معه قاموسه المليء بالكلمات القذرة بالشتائم والعنصرية، ضد جميع البشر، ضد النساء، ضد السود، ضد الجنسيين المثليين، ضد المسلمين، بل حتى ضد مواطنيه الأميركان، صحيح أن رئيساً عنصرياً وعدوانياً ليس بالأمر الغريب على أميركا، فماذا فعل درة الرؤساء الأميركيين رونالد ريغان الذي انتخب في بداية الثمانينات، غير أنه كان أبو الخطاب العدواني العنصري، الداعي للحرب؟ بل ماذا فعل بوش الابن، الذي كانت الصدفة التي قادت إلى انتخابه في الفترة الأولى من حكمه، فهي المحكمة الفيدرالية العليا التي حسمت النتيجة شبه المتعادلة بينه وبين المرشح الديموقراطي آل غور، لكن انتخابه في الفترة الثانية من حكمه، كان أيضاً تسونامي فريدا من نوعه، ثلاثة ملايين ونصف فارق الأصوات كان بينه وبين المرشح الديموقراطي جون كيري، وأربعة ملايين صوت حصدها أكثر من تلك التي حصدها ريغان، رغم أن بوش لم يكن أقل تفنناً بتصريحاته العنصرية وعدوانيته، رغم أنه قاد حربا اعتمدت على الاكاذيب، رغم فضيحة أبي غريب، وأخيراً وليس آخراً، رغم أن ديموقراطيته التي وعد العراق بها جاءت على شكل لصوص ودجالين وأميين جلبهم على دباباته التي دخلت بغداد، وأجلسهم على عرش السلطة في العراق، ليناموا كل هذه السنوات على صدور الناس، كل الطبقة السياسية في بغداد، هي نتاج بوش الابن.
كل ذلك قبله أصدقاء أميركا، وكان يمكن أن يقبلوا ترامب أيضاً، لكن الرجل الغريب الأطوار هذا، وهو يوزع شتائمه ويرعب العالم شرقاً وغرباً، قلب الطاولة على وجوه أصدقائه في المقام الأول، كأنه أراد أن يقول لهم، كفى هذه المرة، دائماً أميركا تلعب الدور القذر، وأنتم تغسلون أيديكم دائماً من الدم وتتنصلون من الجريمة. لقد أُزيح الستار هذه المرة، وعلى العالم أن يرى أننا جميعاً شركاء في القتل والدمار.
دونالد ترامب في البيت الأبيض. فيما خصني أنه سبب آخر مضاف لمواصلة كتابة الأدب بشكل جميل للرد على كل هذه الأكاذيب. كل الرؤساء الأميركان الذين سبقوه وأدوا أحلامنا، فلماذا سيكون الأمر مختلفاً معه؟ دونالد ترامب لن يكون الرئيس الأميركي الأخير الذي سيتفنن في قتلنا.
دونالد ترامب.. الغوغائي الذي قلب الطاولة
[post-views]
نشر في: 22 نوفمبر, 2016: 09:01 م