adnan.h@almadapaper.net
ما من صحيفة في العالم لم تُخطئ، ولن توجد الصحيفة التي لا تُخطئ. أكبر أخطاء الصحف وسائر وسائل الإعلام هو نشر معلومات كاذبة، وأفدح الأخطاء تلك المرتبطة بنشر المعلومات الكاذبة بقصدية من مراسلها أو محررها أو إدارة تحريرها أو إدارتها العامة، وليس عن غفلة.
الصحف وسائر وسائل الإعلام الرصينة التي تحترم نفسها وجمهورها وعموم الرأي العام وتعبأ بسمعتها، تبادر إلى الاعتذار علناً عن خطئها فور اكتشافه، مهما كان صغيراً ومحدود التأثير. وفي حال الأخطاء الفادحة يكون الاعتذار قويّ اللهجة ومصحوباً بإجراءات إدارية تطول صنّاع الخطأ. وفي كل الأحوال فالاعتذارلا يقتصر تقديمه على المتضرّر من الخطأ وإنما يشمل قراء الصحيفة أو جمهور الوسيلة الإعلامية كيما لا تفقد الصحيفة أو الوسيلة الإعلامية صدقيتها وتسقط في أعين جمهورها.
في أيار (مايو) الماضي أعلنت صحيفة الغارديان البريطانية في بيان رسمي عن أنها اكتشفت أن صحفياً حراً يكتب لها من القاهرة، هو جوزيف مايتون، قد انتهك قواعد مهنة الصحافة وأخلاقياتها وكسر الثقة التي تتمتع بها الصحيفة ومنحته إياها بإرسال معلومات غير صحيحة إليها، واعتذرت عن الواقعة، وحذفت من موقعها الإلكتروني 13 تقريراً ومقالاً كتبها الصحفى لم تتمكن من إثبات صحة ما ورد فيها من معلومات.
وفي الشهر الماضي اعتذرت صحيفة بريطانيّة رصينة هي الأخرى، الإندبندنت، للشيخ ناصر الصباح، رئيس الوزراء الكويتي الأسبق، بعد أن نشرت ادّعاءات بشأنه أقرّت بأنها لم تكن صحيحة. وقبل ذلك كانت الصحيفة نفسها قد اعتذرت للسفير السعودي السابق في العراق، ثامر السبهان بعد زعمها أن المقاتل في صفوف تنظيم داعش، عبدالسلام السبهان، هو ابن عمه، وهو ما تبيّن عدم صحته. وثمة العشرات من الأمثلة على اعتذارات الصحف حتى عن أصغر أخطائها.
صحيفة "الشرق الأوسط" وقعت منذ أيام في خطأ فادح للغاية، بنشرها تقريراً تضمّن معلومات كاذبة نسبتها إلى مسؤول كبير في منظمة الصحة الدولية. وعدا عن كونها معلومات ملفّقة في الأساس، فإنها انطوت على تعريض بسمعة النساء العراقيات وطعن في كرامة الشعب العراقي بأسره، فضلاً عن أنها تجاوزت على منظمة دولية مرموقة بنسبتها المعلومات الكاذبة الى مسؤول في هذه المنظمة.
حتى لو كان مصدر المعلومات الملفّقة محرراً أو مراسلاً للصحيفة في بغداد أو أيّ مدينة أخرى، فان هذا لا يرفع عن هيئة تحرير الصحيفة وإدارتها المسؤولية الأخلاقية، فهذه المعلومات خضعت للعمليات التحريرية المألوفة ومرّت من تحت أيدي محرر الصفحة ورئيس القسم ومدير التحرير، وخبر الصفحة الأولى لابدّ أنه مرّ بالأعضاء الكبار في هيئة التحرير الذين يقررون ما يُنشر وما لا ينشر على الصفحة الأولى.
إعلان "الشرق الأوسط" أنها استغنت عن خدمة المراسل أو المحرر الذي قالت إنه مُرسِل المعلومات الكاذبة ونشرها تكذيب الصحة العالمية للمعلومات، لا يكفيان، فقواعد مهنة الصحافة واخلاقياتها ترتّب على "الشرق الأوسط"، مثلما ترتّب حتى على الصحف الأصغر والأقل عمراً، واجب الاعتذار الشديد إلى الشعب العراقي ومنظمة الصحة العالمية وإلى قرّاء الصحيفة.
بخلاف هذا يكون نشر هذه المعلومات الملفّقة متقصّداً، وهو ما يُلحق أفدح الأضرار بسمعة الصحيفة، فـ "لا يَحِيقُ الْمكرُ السّيئُ إِلاَّ بأَهله" .. إنها ستسقط في أعين قرّائها في الكثير من البلدان، فضلاً عن العراق.. وسمعة الصحيفة هي رأسمالها الحقيقي.
الاعتذار استحقاق على "الشرق الاوسط" لن يسقط أبداً.