بودّي أن أقارب إساءة صحيفة الشرق الأوسط للعراقيات وللشعائر الدينية، بطريقة مختلفة تبتعد عن السجال العراقي السعودي الذي عادة ما ينتهي إلى تراشق طائفي مقزز.
ما لا يمكن طرحه وإثارته في الفضاء العام، عبر الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، يمكن الخوض فيه من خلال الصحافة التي باتت فضاءً نخبوياً بفضل الأُمية الثقافية التي تستشري في مجتمعنا.
فالفبركة الصحفية التي اقترفتها الجريدة السعودية في تجاوز صارخ على الأعراف الصحفية والأخلاقية والدينية، تعيد جدلاً لطالما انتهى إلى نتائج هلامية غير واضحة. ويتلخص هذا الجدل حول ضوابط المهنة وسقوفها، وطبيعة التخادم المتبادل بين الصحافة الاجنبية مع الطبقة السياسية.
فالتوضيح الذي نشرته الصحيفة، وخلا من الاعتذار للعراقيين، يشير الى تورط أحد صحفييها العاملين في مكتب بغداد بهذه الإساءة، وما يؤيد ذلك سهولة إفلات القصة الخبرية المختلقة من رقابة إدارة التحرير على الرغم من مضمونها الخطير. فلوائح أخلاق المهنة الصحفية تفرض التشدد بالتحقق من أي كلمة أو معلومة تتضمنها القصص الخبرية. كما تفرض أن تمرّ هذه المواد الخبرية عبر مجموعة فلاتر حتى تأخذ طريقها للنشر.
إذن فنحن نتحدث عن شخصية نافذة تحظى بالثقة من إدارة الشرق الأوسط تسمح له بنشر مثل هكذا قصة ركيكة، ألقت الضوء على الهبوط المدوّي لمهنيّة صحيفة يصرف عليها مليارات الدولارات، وتحظى بإمكانات هائلة في العواصم المهمة.
لكن رُبّ ضارة نافعة، فالمطبّ الذي وقعت فيه الشرق الاوسط كشف مجموعة حقائق يمكن ان تكون درساً بليغاً لأطراف عدة، يمكن الإشارة إليها بشكل عابر.
فقد اكتشفنا أنّ الصحف المرموقة خاضعة لإملاءات الدول الممولة. وهي بذلك تتحول الى سلاح في الحروب التي تخوضها تلك الدول، وتفرض عليها التكيّف مع ذلك، والتخلي عن أبسط معايير المهنة وضوابطها.
وبقدر كونها فضيحة للصحيفة، فإنها تشكّل فضيحة للساسة والمسؤولين العراقيين الذين يُصابون بارتخاء عضلي واختلال عاطفي أمام هذه الصحف والقنوات الفضائية.
فالمسؤول العراقي يمنح، بكلّ رحابة صدر، الصحافة الاجنبية لاسيما العربية، كلّ ما تطلبه منه حتى لو كان الامر حسّاساً ويمسّ أمن البلاد، بل إنه يتحوّل إلى حمل وديع أمام كاميراتها، لكننا نراه يزبد ويرعد ويتعالى وتنتفخ أوداجه عندما يتعلق الأمر بالصحافة والصحفيين العراقيين.
ويتبادل المسؤول العراقي والإعلام الأجنبي أدوار التخادم، فالاول يمنح الثاني غطاءً سياسياً لمواصلة عمله في العراق، مقابل أن يقوم الاخير بتلميع صورة الاول ومنحه مساحة كبيرة على صفحاته وشاشاته.
إذن هي فضيحة للمسؤول العراقي الذي يعاني من عقدة الإعلام العربي وإغرائه، بحيث تسوّل له نفسه أن يظهر في مداخلة تلفزيونية قصيرة خلال النشرات العابرة، لكنه يترك الصحفي العراقي يلهث وراء حجّاب مكتبه، وطاقم مستشاريه.
في إحدى المرات، ظهر رئيس البرلمان على إحدى الشاشات لمدة 5 دقائق فقط ضمن نشرة خبرية، ومرّة أجرت فضائية "مهمة" مقابلة مطولة مع إحدى الرئاسات، وفي نهاية اللقاء اكتشفوا أنّ المصور لم يشغّل "مايك" الصوت!
بعد هذه الفضيحة والسقطة، على المسؤول العراقي أن يحسب ألف حساب للتعامل مع هذا النوع من الصحافة العربية، وعليه أن ينزل من عليائه ليعترف بأنّ صحافتنا لا تقلّ رصانة ومهنية بل تفوّق على نظيراتها، لأنها الأقرب للواقع، والأكثر حسّاسية للتعقيدات.
على الجانب الموازي، فلا يمكن أن ينأى الوسط الصحفي العراقي عن مثل هكذا سقطات مهنية أبطالها صحفيون عراقيون يعملون لصالح وسائل إعلام تثير النعرات الطائفية بين أطياف العراقيين.
وبعيداً عن الدبلوماسية، يجب الاعتراف بوجود مجموعة من الصحفيين ممن يعملون لصالح صحف وفضائيات مسيئة للعراق وطوائفه وقومياته، لكنهم لا يمنعون مثل هكذا إساءات ولا يساهمون بتوضيح الحقائق لإداراتهم، بل إنّ البعض يساهم في صناعة هذه الإساءات، ويمنحها مصداقية عبر لجوئه الى حِيَل صحفية بدعوى المصادر التي ترفض الكشف عن هويتها!
صحيح أنّ الجسم الصحفي العراقي عليل وكسيح، لكنه ليس أقل غِيرة على بلده من نظيره المصري، الذي نجح في تأديب الجزيرة وإغلاق مكاتبها ،لأنها شكّلت تهديداً لأمنه القومي والاجتماعي، وكيف تم التعامل لاحقا مع العربية وأخواتها.
الشرق الأوسط، صحيفة سعودية، لكنّ الفضيحة عراقية، وعلينا الاعتراف بذلك.
الشرق الأوسط: فضيحة عراقيّة
[post-views]
نشر في: 23 نوفمبر, 2016: 06:13 م