adnan.h@almadapaper.net
لم تهدأ بعدُ العاصفة التي أثارها تقرير لصحيفة "الشرق الاوسط" تضمّن معلومات مفبركة، وليس مقدّراً لها أن تهدأ قريباً. وفي هذا درس بليغ لنا نحن الإعلاميين الذين علينا أن نتذكّر في كل لحظة أنّ لمهنتنا قواعد وأخلاقيات لا ينبغي انتهاكها بأيّ شكل وبأيّ درجة، فعواقب الانتهاك ليست حميدة أبداً وتتعارض كلياً مع الوظيفة الاجتماعية للإعلام.
ماذا عنّا وعن ساحتنا هنا في العراق؟
هذا السؤال له ما يبرّره ففضاء الإعلام العراقي، التقليدي والجديد سواء بسواء، مشحون بأكاذيب وتلفيقات وسباب وشتائم وتجاوز على الحرمات والخصوصيات وخطابات كراهية دينية ومذهبية وقومية وحزبية تُضَخّ على مدار الساعة، ويجري انتهاك قواعد المهنة الإعلامية وأخلاقياتها في العشرات من الصحف المطبوعة والمواقع الإلكترونية وحسابات التواصل الاجتماعي ومحطات الإذاعة والتلفزيون، وما من ضابط أو رابط لما يُنشر كما لو كانت الساحة الإعلامية مدينة صفيح تعيش خارج سلطة القانون على هامش مدينة ضخمة.
البعض فسّر ما نشرته "الشرق الأوسط" على أنه "مؤامرة" لإثارة الفتنة الطائفية بين أبناء الشعب العراقي، لكنّ معظم ما نُشِر تعليقاً على ما نشرته الصحيفة أو تعليقاً على التعليقات كان في إطار تنفيذ "المؤامرة"، فالكثير من المعلّقين وجد فيها فرصة لنفث سموم الأحقاد والضغائن الدفينة، فكان أن ازدحم الفضاء الإعلامي بموجات عاتية من خطاب الكراهية، والمؤسف أن بعض المثقفين قد ركض مع التيار أو اتّخذ موقف المتفرّج.
"بيت الإعلام العراقي" الذي درج على رصد الظاهرات، وبخاصة السلبية منها، في ساحة الإعلام العراقي أجرى رصداً مفيداً لمسيرة تقرير "الشرق الأوسط" وجذورها، فوجد أن معلوماته الملفّقة نشرها في الأساس موقع إخباري إلكتروني عراقي يحمل اسم "أصوات حرّة" (!) قبل أربعة أيام من نشر تقرير "الشرق الأوسط". وأفاد بيت الإعلام أيضاً بأنّ الموقع قام بحذف معلوماته المفبركة حال انطلاق حملة الاحتجاجات على الصحيفة السعودية عن تقريرها، وفي اليوم التالي اختفى الموقع الإلكتروني من الشبكة العنكبوتية، ولم يزل.
على الدوام يحصل ما حصل مع هذا الموقع، فثمّة العشرات مع المواقع الإلكترونية التي تظهر فجأة وتختفي فجأة بعد نشر مجموعة من الأخبار والتقارير الملفّقة، بهدف التسقيط السياسي والاجتماعي في الغالب أو بغاية الابتزاز المالي. وبعض هذه المواقع التي لا تنشر معلومات عن إداراتها وعناوين مكاتبها يموّلها سياسيون ورجال أعمال يشتغلون في ميدان غسل الأموال وتهريبها.
عمليات التسقيط هذه لا تنحصر بالمواقع الإلكترونية الوقتية، فصحف ورقية ومواقع دائمة ومحطات إذاعة وتلفزيون وصفحات فيسبوكية ومدوّنات كثيرة للغاية تقوم هي أيضاً بهذه الممارسة غير الاخلاقية ليل نهار.
لقد بلغنا، إعلامياً، مرحلة متردّية نحتاج فيها إلى قانون ينظّم ممارسة حرية الإعلام المنصوص عليها في الدستور.. ينظّم ولا يقيّد حرية التعبير.. قانون شبيه بقانون الأحزاب الذي مهمته تنظيم الحياة السياسية في البلاد وجعلها تتوافق مع أحكام القانون والدستور.
الحكومة ومجلس النواب مدعوّان إلى تشريع هكذا قانون للإعلام، بالتعاون مع الإعلاميين ذوي الخبرة والكفاءة ومنظماتهم، يُمكنه ترصين العمل الإعلامي وترقية أدائه بما يجعله يؤدي وظيفته الاجتماعية على النحو الصحيح والسليم.