TOP

جريدة المدى > عام > حمه صالح أمين: الأولوية للثقافة شرط أن تكون عابرة للّغات

حمه صالح أمين: الأولوية للثقافة شرط أن تكون عابرة للّغات

نشر في: 26 نوفمبر, 2016: 12:01 ص

في مساء 25/5/2013 أقام أصدقاء الاديب العراقي الكردي محمد صالح محمد أمين (1943 – 2013) حفلاً تكريمياً على قاعة توار بمدينته السليمانية لتخليد ذكراه، حيث اوقدت شموع الوداع، وتليت الكلمات المؤثرة، وعرض فيلم وثائقي عن الفقيد وشاركت الموسيقى وكذلك ا

في مساء 25/5/2013 أقام أصدقاء الاديب العراقي الكردي محمد صالح محمد أمين (1943 – 2013) حفلاً تكريمياً على قاعة توار بمدينته السليمانية لتخليد ذكراه، حيث اوقدت شموع الوداع، وتليت الكلمات المؤثرة، وعرض فيلم وثائقي عن الفقيد وشاركت الموسيقى وكذلك الشعر في رثاء هذا المبدع الرؤوم الوجه والصوت والمتواضع والبسيط حد الافراط لكن الجاد والعميق والجريء في آن واحد، والذي بوغت هو ايضا وباغتنا برحيله المبكر الى عالم آخر تاركاً ثروة أدبية تحتاج الى الجمع والاعتناء.

لكن قصائد محوي، الشاعر الكردي الصوفي السليماني الكبير المتوفى في نفس مسقط الرأس عام 1904، هي ما تعالى مكللا بالصمت لتوديع حمه صالح الى مثواه الاخير:
لا أكتمَ  للسرِّ من الليل،
لا أكتمَ منه حتّى يوم النشورِ
الليلُ.. حاجبُ الأسرارِ،
أنيس العشّاقِ
وحامل اشجانهم
ذو الدجى الرحيم
للبوح بسرّ الفؤادِ
الليل، الليلُ.. خليل الصفاء
وفضاء تأمّلْ الوجود..
لا أكتمَ  للسرِّ من الليل..
ولن استطيع اعطاء ادب صالح محمد امين قيمته التي يستحق. فجهلي بلغته الام يحرمني من ذلك. ومع ذلك، ورغم لقاءاتنا السريعة والقليلة، ثمة قناعة ترسخت مع الايام بموهبة ادبية وانسانية كبيرة ظل هذا الهائم بشعر ابي منصور الحلاج يتكتم عليها دائما. لم تكن صداقته عابرة حتى لشخص حديث العلاقة معه مثلي، بل حميمة بشكل مدهش صانعة بذاتها توقا الى التعمق مع الزمن. خلال عملنا معا لثلاث سنوات في مفوضية الانتخابات بعد 2004، كانت الامانة والنزاهة والشفافية وحدها همومنا الكبرى في عالم يهزأ بها، وبمواجهة طبقة سياسية مدججة بالحقد والاستهتار حيال قيم الاستقلالية والصدق ولم تغفل سلاحاً الا واستخدمته لجعلنا نلقي السلاح وننسحب بجلودنا اضطرارا من اللعبة تاركين بألم دفين، هو في الاقليم وانا في المركز، المفوضية بمواجهة مصيرها الذي قدره لها فرسان الطائفية والفساد بأن تكون، هنا او هناك، عارية من الاستقلالية والمهنية الا من ورق التوت.
بيد ان الاولوية لديه ظلت تذهب دائما الى اعلاء الثقافة شرط ان تكون انسانية وراقية وجميلة بكل معاني الكلمة وعابرة للغات وكل الحدود. فالثقافة، كل الثقافة الجميلة، كانت عالمه الأرحب. عطاؤه الثقافي يكشف اصلا عن خصومة فطرية مع التشنج والانغلاق وعن عمق سحر بثقافة كردية احبها واغناها وظل يحرسها كحدقة العين.. لكنه احب كل الثقافات الاخرى وسعى الى التعلم منها دون رهبة او نعرات. فقد وجدت لديه من حواراتنا العديدة احتراما عميقا للثقافة الهولندية والفرنسية والفارسية فيما منح الثقافة العربية موقعا خاصا فنهل منها ورفع اسمها اكثر من بعض ابنائها ويكفي ان اذكر قيامه بترجمة عدد من نصوصها الصعبة الى الكردية وفي المقدمة منها رواية (فوضى الحواس) للكاتبة الجزائرية احلام مستغانمي وصدرت عن وزارة الثقافة في إقليم كردستان مقدما بذلك اضافة جديدة وجديرة الى المكتبة الكردية الى جانب مساهماتها العميقة الاخرى. احلام مستغانمي، التي لا احب نبرتها المتزاهية، ستقول مخاطبة الشعب الكردي اثر صدور روايتها باللغة الكردية ان العمل يملؤها زهوا ويسعدها اكثر من صدورها في طبعات فاخرة باللغة الإنكليزية والإيطالية او الفرنسية او الصينية. ذلك انه في زمن "التطهير اللغوي" الذي تتناحر فيه ديناصورات العالم، مبتلعة خمسا وعشرين لغة سنويا، وهو عدد اللغات التي تختفي سنويا من العالم، يصبح مجرد الانحياز الى هذه اللغة عملا ثوريا" مؤكدة: "على ظهر كتبي، عند عرض اللغات التي ترجمت إليها أعمالي، ابدأ باللغة الكردية ، حسب التسلسل الأبجدي لقلبي".
وكما كتب الناقد الكردي صادق اسماعيل، فان صالح محمد امين اضاف الى المكتبة الكردية بترجمته لرواية "فوضى الحواس"، "زهرة ابداعية جديدة"، تمجد، عبر تحريضها الناس على الحب والحرية، وبعيدا عن صور الدم والقتل والعنف والموت والدمار، نضال وابداعات المرأة الكردية ذاتها والتي اسهمت عبر كل العصور بأدوار تنموية ونهضوية وحضارية كبيرة، كما تضاف الى دفق الابداع الكردي المتطلع دوما وابدا الى عالم النور والجمال، والمتفاعل مع حضارة عصره بروح شفافة تنم عن ذائقة حسية كبيرة الاثر في اختيار ابداعاته الخاصة والمتفردة من بين ابداعات العالم المتنوعة.
ولن أنسى ابدا تلك الايام الثلاثة التي امضيناها معا في قبرص عام 2006 مشاركين في ورشة عمل دولية حول الانتخابات امضينا معظم وقت استراحاتنا المتبقي خلالها في الحديث عن اهمية مواصلة تعريف العالم بعظمة معاناة شهداء حبيبته حلبجة المدينة الكردية التي قصفها القتلة البعثيون بالسلاح الكيمياوي في آذار 1988. وكان يستذكر ببهجة ان ثلاثة عراقيين عربا، الشاعر كاظم جهاد والتشكيلي علي العوادي وانا، كانوا اول من تظاهر عفويا، بعيد ايام من الجريمة، امام السفارة البعثية بباريس احتجاجا على تلك الجريمة لمجرد التضامن مع اشقاء مضطهدين..
اما ضرورة اعادة تجسير التفاعل والتكامل بين الثقافتين الكردية والعربية في العراق، فكانت اشبه بهوس لدينا حتى بعد ان فوجئ كلانا بعدم دعوته الى حضور ملتقى ثقافي عربي - كردي اقامه في النجف اتحاد الادباء والكتاب بالتعاون مع مركز كلاويش الكردي للثقافة والفنون وقيل بمشاركة أكثر من 190 شخصية من داخل وخارج العراق بينهم من اثارت دعوته السخرية لماضيه القاتم او لحاضره الطفيف. فقد كان الراحل حمه صالح امين يدعو الى تأسيس مجلس عراقي أعلى للثقافة، والى اعلاء ثقافة وطنية عراقية جديدة، بعيدة عن النعرات العنصرية والطائفية التي يشيعها بعض الأيديولوجيات والاحزاب العربية والكردية على حد سواء، وإنما تعميق ثقافة بمفاهيم كونية التفتح وإنسانية شاملة. وكنا نتألم من الجو الثقافي المتردي بل المتخلف الذي تعيشه الجماعات الحزبية الحاكمة والمؤسسات الرسمية، ومن العنف الذي تمارسه على الثقافة والمثقف، والأطروحات الخاطئة والشعارات المستهلكة المتخلفة عن العصر التي للثقافة الوطنية ان تتقوقع داخلها.
وفي الدفاع عن حقوق الانسان ولا سيما حقوق المرأة وجدته مشاركا بحماس في الحملات العراقية والعالمية معتبرا ان العنف ضد المرأة العراقية بشكل خاص، والمرأة في العالم بشكل عام، "اصبحت ظاهرة مخزية وعار في جبين الانسانية، لذا يجب ان نقوم بعمل جاد في سبيل وقف هذا العنف الغير مبرر" كما كتب الى جانب توقيع في مطلع 2008 في اطار حملة لادانة العنف ضد المرأة العراقية اعتبرت انه "ورغم التحسن النسبي في الوضع الامني لا يزال شعبنا العراقي يعيش في اجواء من الفوضى التي لم يسبق له او لغيره من الشعوب العيش في اجوائها، من أهم تجلياتها غياب القانون واستفحال الارهاب والانفلات الامني وانتشار الجريمة المنظمة التي ذهب ضحيتها اكثر من خمسين امرأة في البصرة وحدها خلال النصف الثاني من العام المذكور، على أيدي قوى وعصابات ظلامية واجرامية بدوافع وذرائع مختلفة اجتماعية ودينية وسياسية".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

كلمة في أنطون تشيخوف بمناسبة مرور 165 عاما على ميلاده

الحصيري في ثلاثة أزمنة

موسيقى الاحد: احتفاليات 2025

الهوية والتعبير الاسلوبي.. مشتركات تجمع شاكر حسن واللبناني جبران طرزي

تنويعات في الوضوح

مقالات ذات صلة

الهوية والتعبير الاسلوبي.. مشتركات تجمع شاكر حسن واللبناني جبران طرزي
عام

الهوية والتعبير الاسلوبي.. مشتركات تجمع شاكر حسن واللبناني جبران طرزي

خضير الزيدي مرت التجربة الفنية العربية بعدة متغيرات اسلوبية وطروحات فكرية ومنها (التجربة العراقية واللبنانية وبعض الدول العربية) وكانت مرحلة ستينيات القرن المنصرم الفترة الملفتة حسب اراء نقاد الفن ومنها انطلق الفن العربي مواكبا...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram