اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > نساء مسترخيات على أرائك مرمر

نساء مسترخيات على أرائك مرمر

نشر في: 25 نوفمبر, 2016: 09:01 م

غالباً ما أرى ان الموضوع او المضمون في الفن التشكيلي لا يحمل أهمية، بقدر أهمية الطريقة التي يتناول من خلالها الفنان هذا الموضوع، والزاوية التي يَنظرُ من خلالها الى ما يريد رسمه، ثم طريقة المعالجة التي تحول الموضوع الى شكل مؤثر بصرياً. وبطبيعة الحال ينطبق هذا على كل ما تقع عليه عين الفنان. ومن أكثر الموضوعات التي رسمها الفنانون، هي الموضوعات الرومانسية او العاطفية التي يكون محورها العشاق واللحظات الخاصة بين الرجل والمرأة. فهذا الموضوع تناوله آلاف الفنانين على مرَّ العصور، وكل فنان تناوله بطريقة مختلفة وخاصة، فمنهم من أشار اليه بطريقة بسيطة وغير مؤثرة فطواه غبار النسيان. وبعضهم الآخر فتح الباب لمناخات مدهشة وجمال أخّاذ ومعالجات استثنائية، فَأَلهَمَ الكثيرين وأثر في تاريخ الفن. والى النوع الثاني ينتمي الفنان ألما تادما الذي يقام له الآن معرض كبير في متحف فريسلاند، شمال هولندا.
هذا الساحر الذي حَوَّلَ اللون الى ضوء وجَعَلَ الشخصيات ملائكة والخطوط أنغاماً، اشعر وأنا انظر الى أعماله بأنَّ عطر العشاق يتناثر على قماشات الرسم ثم يسيح ويندلق على ارضية قاعات العرض. أتجول بين عشاقه ونسائه الجميلات والتفاصيل التعجيزية التي ابتكرتها فرشاته الناعمة وخياله المتوقد، فأشعر بأني أدخل في اللوحات وأستنشق هواء البحر الذي أُحِسُّ برذاذه يتطاير فوق وجهي، اتطلع الى البنايات التي تشبه بنايات الرومان وكذلك التماثيل التي وزعها في تكوينات لوحاته هنا وهناك، ثم الريليفات البارزة التي تظهر على سطوح الجدران، والملابس التي ألبسها لشخصياته بخيال غير مسبوق ورؤية تضعنا في مناخ مسرحي يهز البصر، وهذا ما جعل أعماله تلهم الكثير من مخرجي السينما الذين صنعوا للممثلين ملابس من وحي لوحاته وحوَّلوا تفاصيل اغلب أعماله الى ديكورات ضمن مشاهد سينمائية لأفلام تاريخية مهمة.
أمضي داخل المعرض وأسبح بين الزخارف التي رسمها والنساء المسترخيات على أرائك المرمر في فضاءات مفتوحة حيث لا هواء إلّا هواء البحر ولا لغة إلّا لغة العشاق والمحبين الذين تنعكس ملامحهم فوق احواض السباحة الرخامية البيضاء. هنا داخل هذا المعرض عرفت لماذا يسميه بعض مؤرخي الفن بملك المرمر، وفي ذلك إشارة واضحة لمناخات وتكوينات لوحاته التي امتلأت بهذا النوع من الحجر في الخلفيات وأماكن الجلوس والأرضيات والمسابح والسلالم والتماثيل البارزة.
أتوقف امام اللوحة التي رسمها لأخته وهي تقرِّبُ وجهها من مزهرية مليئة بالزهور، فأشمُّ معها تفاصيل المكان ودفء الغرفة الذي يعكسه اللون البني ودرجاته المتفاوتة. امضي في اجواء المعرض لتفاجئني لوحته الجميلة (لا تقل لي أكثر) حيث تظهر فتاة وشاب يجلسان على أريكة طويلة من المرمر، هو يُقَبِّلُ يدها بنعومة، وهي تدير وجهها وتُقَرِّبُ قدميها من بعضهما خجلاً، بينما زرقة البحر تغلف المكان وتحيط بهما لتنعكس على أرضية المرمر. تقابلها تماماً لوحة اخرى تحمل الكثير من العذوبة والرومانسية، وهي لوحة (النظرة المواتية) والتي استعملها المتحف كملصق بارتفاع اكثر من عشرة أمتار كدعاية للمعرض، والتي تظهر فيها ثلاث فتيات يقِفنَ في مكان شاهق يشبه شرفة قَصر وهن يتطلعن من الاعلى الى شاطئ البحر، حيث تقترب سفينة بعشرات المجاديف وهي تحمل لهن عشاقاً أو أخباراً سارة.
لوحات العشاق هذه، بضوئها الأزرق الشبيه بلون البحر هي المرحلة الأخيرة في حياة الرسام ألما تادما، والذي رسم اغلبها بحجوم صغيرة مقارنة بأعماله الأخرى وبشكل مستطيل أفقي، تماشياً مع امتداد البحر والأرائك الحجرية المنبسطة علي عرض اللوحات. في النهاية اقول بأن تادما ينتمي تاريخياً لما يسمي بـ (ما قبل الروفائيلية) والتي ظهرت في بريطانيا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لكن هذا الفنان العبقري استطاع ان يكون (قبل) كل فناني جيله، من حيث القيمة الفنية والتقنيات والخيال، وكذلك من حيث قوة تكويناته وبراعته في الإمساك بالتفاصيل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram