اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > الفنانة التشكيلية العراقية نوال السعدون..الصورة الشخصية.. أو الأرشيف الآخر

الفنانة التشكيلية العراقية نوال السعدون..الصورة الشخصية.. أو الأرشيف الآخر

نشر في: 26 نوفمبر, 2016: 12:01 ص

هل كان في إمكان المصورة الأرمنية(ليليان) التي قدمت من إيران إلى العراق في بداية العهد الملكي لتصور العائلة الملكية العراقية، أن تتصور أو تتنبأ بأية وظيفة اخرى للصورة الفوتوغرافية الشخصية غير وظيفتها الزمنية الأرشيفية(بالرغم من إتلاف النكتف الأصلي لأس

هل كان في إمكان المصورة الأرمنية(ليليان) التي قدمت من إيران إلى العراق في بداية العهد الملكي لتصور العائلة الملكية العراقية، أن تتصور أو تتنبأ بأية وظيفة اخرى للصورة الفوتوغرافية الشخصية غير وظيفتها الزمنية الأرشيفية(بالرغم من إتلاف النكتف الأصلي لأسباب معروفة في ذلك الزمن!). ثم ولتبقى هذه الوظيفة تطل علينا من واجهة ستوديو(المصور الأهلي) في الحيدرخانة من بغداد.

أو من خلال واجهة ستوديو بابل للمرحوم (جان)، أو المصور(أرشاك) في شارع الرشيد، أو ستوديو(قرطبة) في شارع النضال وغيرهم. لكننا اكتشفنا الميزة التعبيرية في بعض من صور النصراوي. أو صور (القباني) قبل ان يحول فنه الصوري الى وظيفة، بعد افتتاح الاستوديو الخاص به في المربعة من شارع الرشيد. بعد ذلك فاجأنا(جاسم الزبيدي) بصوره الصحفية المعبرة، ايقونات شخصية تعبيرية لمشاريع تحرر وطني متعددة. كل ذلك كان في أزمنة خلت. الفنانة التشكيلية العراقية المغتربة (نوال السعدون) تبنت اختياراتها الفوتوغرافية بعيدا عن كل ذلك، وحيدة في مرسمها أو منزلها، ملجأها الصوري، لا تملك سوى علامات جسدها حقلا صوريا قابلا لقراءة دلالاته الظاهرية والباطنية.
غالبية الصور الفوتوغرافية لنوال السعدون هي، وكما أعتقد، محاولات لاستعادة ظلها الذي ربما تعتقد، أو أعتقد أنا، بأنها فقدته في متعرجات ومسالك رحلتها الاغترابية. وان حاولت أن تسجل تداعيات أزمنتها أو الأزمنة العراقية المتأزمة في العديد من رسوماتها المختلفة بكثافة اختزالية هي بعض من أداة عصرنا الفني الحالي. فإنها أيضا لم تكتفِ بعملها الفني. لذلك سخرت محاولاتها الفوتوغرافية الشخصية كبوح لما يستعصي على البوح أو التعبير عنه بأدوات تجربتها الفنية التشكيلية بموادها المختلفة التي هذبتها اشتغالاتها المستمرة. هي بالتأكيد تستطيع ان تنفذ أعمالا فنية تنتسب الى ذاتها المتفاعلة وجزئيات من ارث بيئتها الأولى. لكن ليس كما صور الكارتات البريدية. بل من خلال اختزال جزئياته الذرية التي بقيت ملتصقة بذاتها حفريات على أثر لا يزال عالق. لشعورها بعدم كفاية اشتغالاتها التشكيلة بدون الاستزادة بأداء فني حفري آخر يكرس الجسد فضاءً تعبيرياً مناسباً لمناورة تداعيات نستولوجيا الفقد الذي لا يعوض. وكان الفوتوغراف لديها هو الاداء الأكثر حميمية. ولم تكن صورها الفوتوغرافية الشخصية(افتراضات شخصية)، الا محاولة منها لارتياد فضاء ثغرة الحنين العصية على التجاوز.    
انا لا اعرف متى التفتت نوال الى قراءتها الحميمية لصفحة وجهها، والافصاح عن بعض أسراره.  ومضات ابتهاجاته، احزانه، انطفاء او احتفاء نظراته. هي ايضا لم تكتفِ بالتعبير بواسطة ملامحها دون إشراك الجسد وفضاء امكنته المتعددة في كادر تصويرها. لكنها ومن خلال كل ذلك، وضعت خبراتها الفنية في اشتغال حدود هذا الكادر الصوري ضمن حس سليم لاختيارات فراغاته خارج كل عبثية. وكأي فعل فني حميمي، لا بد من بروز علامات بوح. رغم كل محاولة الحجب وإقصاءاتها، أو التشويش عليها بمفردات مكانية وملحقاتها. وان صنعت لقطاتها التصويرية بمهارة العارف بأسرار الصورة الفوتوغرافية الشخصية، وحتى بمصادر الهاماتها الفنية. فإنها لم تستطع تجاوز فخاخ مناورات البوح أو كتمه, الذي اكتظت به صورها الشخصية. وما يشكل دالتها الأبرز في هذه الصور الشخصية، هي هذه الاشارات الدلالية التي غالبا ما تفصح عن اسرار تتعدى نوازعها الشخصية الحميمية(رغم وضوحها) الى الكشف عن هم سسيولوجي ذي علاقة مباشرة بالإرث النسوي العراقي. علامات لم تستغنِ عن مظهرية ارديتها الفولكلورية الجمعية. وأحيانا العابرة لحدود الوسط الاجتماعي الى فضاءات أخرى من إيماءات ملامح قسمات غالبا ما انهكتها دورة حياتها المتقلبة التي تعدت حدود منشأها الجغرافي الأم.
بما ان كادر الصورة الفوتوغرافية(كما السينمية) مقياس لما ليس له مقياس. فبإمكان المصور ان يشكل كادره بموازاة خبراته العملية وبإيحاء من استيعابه واستغلاله لفضاءات هذا الكادر المحدد بأطره الخارجية لتحقيق لقطاته الصورية بالزوايا المناسبة، أو الاشتباك وجداول الخطوط البيانية الوهمية لمساحة الكادر. هذا ما حاولته نوال السعدون في لقطاتها الصورية الشخصية.  فإضافة الى تحقيقها لتفعيل كادر صورها فنيا كأعمال فنية بصرية مفردة ومدروسة بكفاءة من خلال الاشتغال على تحقيق عناصرها الفنية الأيحائية والتعبيرية المتنوعة وحسب ما تتطلبه الحالة الذهنية او الوجدانية لزمن ومكونات مشهدية اللقطة الصورية.
عرفنا(دورا مار) كرفيقة درب لفترة ما لبيكاسو. كذلك من خلال أرشفتها فوتوغرافيا لمراحل عمله الأشهر(جيرنيكا). ولم يكن بالمستطاع إغفال نتائج تجربتها الفنية الصورية الفوتوغرافية (السريالية). فلا يزال ارثها الصوري مثيرا حتى زمننا هذا. ان كانت دورا مار تصنع صورها مونتاجا صوريا غرائبيا لهلوسة أزمنتها، وكمرادف لهلوسة اضطراباتها العقلية. فإن نوال وفي بعض من صورها كانت على تماس وحواف التعبير أو السرد الصوري السريالي. لكن بدون حاجتها الى مونتاج أو تلصيق أجزاء بأجزاء. فجسدها وملامح وجهها لوحدهما وككتلة متوحدة مشتبكة وفضاءاتها المختلفة، قادرة على مس الحلم السريالي مساً دون ثلم فضاءاته السرية.  
بالتأكيد نوال على دراية تامة بإمكانيات كادرها الصوري على تحقيق تصوراتها الفنية ضمن مجال التعبير الفني بمصادر مدارسه الحداثية المعروفة. بالذات استغلالها الموفق لتحريك هذا الكادر ضمن مساحته المستطيلة، كما اختراق شاشة العرض أفقيا. أو كما في فضاءات الأعمال الفنية الانطباعية بمصادرها اليابانية. بالذات الصور التي حققتها بغلبة مساحة العتمة على النور. وغلبة العتمة ظلالاً مموهة للملامح. وحتى بعض من مساحة الفضاء. إضافة الى ازاحة الفضاء لأحد جانبي الصورة، او إشراك بعض من مفردات رسومها المعتمة معادل لعتمة صورتها الشخصية في محاولة منها لمحاورة الواقع أو الافتراض الذي هو من بعض خلاصات هذه الوقائع. لقد صنعت نوال من ضبابية وعتمة ملامحها وأرديتها، معادل لضبابية واقعنا الحالي ووقائعنا.
بما أن شاشة العرض مشروع مفتوح على كل الاحتمالات الصورية. مهارة الفنان وحدها هي التي تهيّئه كقدرة خلاقة لكشف خفايا الذات. سواء أكانت تضيء انبساطا أو تتعثر بظلماتها. وبما أن الانبساط ضوء يعم المكان، فليس لنا سوى ان نحزر بأن حالات الغربة، التوحد والوحشة، ما هي الا عتمة تسد مغاليق النور وتجلياته. هي الثقل الأعظم الذي يترسب في قعر الروح. هذا ما تشير إليه وبإلحاح العديد من الصور الشخصية لنوال، والتي اشتغلتها بكادر هرمي ينسج ظلاله ثقلا وحتى الحافة السفلى للصورة. رغم أنها اقتطعت من بعض هذه الصور فضاءاتها أو فراغاتها العلوية لتؤكد كتلة ملامح الوجه أو الجسد. الا أن اللقطة تشير الى انحدارها الذي لا قرار له. مثلما تركت لعتمة الظلال مجالا لتعمق من خطوط فزع الملامح أو تبيان معاناتها. لم تكن هذه الصور ببعيدة عن ملامح المدرسة التعبيرية الألمانية. إن لم تكن مرادفة لها. فمثلما حقق الفنانون الألمان ملامح تعبيريتهم من خلال الاشتغال على تعرية النفس البشرية والإعلاء من شأن أحاسيسها وعواطفها، آلامها وأحزانها لحد لوي الملامح بما يعادل صخب انشطار الذات المنفعلة. اشتغلت نوال أيضا على تعمية ملامحها خلف أردية أو إشارات جسدية، لكن مع عدم المواربة في فضح لوعة نظراتها. هذه الصور بنظراتها النافذة وسط عتمة محيطها، اعتقدها مستقاة ومنذوره لأيام القحط العراقية المتأخرة، كبوح شخصي فائق التعبير ليس بالإمكان التغاضي عن الإمساك بإشاراته.
بالتأكيد ثمة فسحة لأزمنة مضيئة في صورها. كأية امرأة عراقية عاشت أحلامها الأجمل، وخلفت خلفها أرشيفا شخصيا معادلا لجمالية أيام ما. تذكارات لا تمحى. لكن نوال لم تكشف للعلن سوى النزر اليسير من هذا الأرشيف، مكتفية بأرشيف آخر. هو بقدر ما يكون شخصيا، فانه منذور للآخر الذي تقمصها، كما تقمصنا. الآخر المستعصي على التعيين والإدراك، كونه يلتهم أزمنتنا بقسوة ولا يخلف سوى الرماد. رماد نوال جمرة توقظ فينا الإحساس بادراك أزمنتنا ومراجعة ما طرأ على ملامحنا من طارئ ليس أوانه ولا مكانه، لكنه الواقع المر الذي وجدنا أنفسنا نخوض لججه عزلا الا من إيماننا بقدراتنا على صنع البديل الأجمل. لقد تجاور الوعي واللاوعي في صورها وانصهرا في بوتقة واحدة. ولينتج لنا نوال كما نعرفها ولا نعرفها. لكنها الأسطورة وحدها هي التي تبقى، كما قال بيكاسو في يوم من الأيام.
إن بنت (دوروثا لانج) كان مجدها من خلال صورها الفوتوغرافية الشخصية المختلفة. و(لوت جاكوبي) بتصويرها المشاهير. والعديد من المصورات العالميات المرموقات. فبالإمكان ايضا النظر الى صور نوال الشخصية ضمن مساحة الفضاء الواسع الممنوح للفنان لاستغلال طاقته بموازاة قدرة البوح التي تؤرشف للأزمنة الشخصية، وتنتج لنا في نفس الوقت صورا فنية، لا تقل مقدرة عن نظيرتها العالمية. والعالمية باتت عولمة مفتوح فضائها لكل مبدع. ومادامت نوال متمكنة من قدراتها الفنية التشكيلية التي تدربت عليها طويلا، وصقلتها تداعيات حوادثها الشخصية عبر رحلة الاغتراب شرقا وغربا، فلا غرابة ان نجد اثرا زمانيا ومكانيا من حوادث هذه الرحلة المضنية. آثار صورية تنأى عن الافصاح عن علنيتها لصالح التعبير الذاتي المكتفي بحيز الجسد وملامحه كشفا غير موارب.
درست نوال السعدون عامين في معهد الفنون الجميلة ـ بغداد الى عام(1975). وأكملت دراستها للكرافيك في أكاديمية فنون بوخارست. عضو في اتحاد الفنانين العالمي. أول مشاركة عرض لها عام(1975) في جمعية الفنانين العراقيين. أقامت معارض شخصية وشاركت في العديد من المعارض والبينالات الفنية منذ عام(1980) في كل من بوخارست، اليمن، (وكوبنهاكن ودمشق) حيث أماكن إقامتها المتناوبة. كما أنتجت أفلاما تسجيلية، بعضها له علاقة بالصورة الشخصية الأرشيفية المهاجرة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram