الرئيسية > أعمدة واراء > "شامبو" غسل الأدمغة

"شامبو" غسل الأدمغة

نشر في: 28 نوفمبر, 2016: 09:01 م

 

العراقيون اعتادوا على اطلاق  مفردة "لا يا مغسول" على من ارتكب فعلاً شائناً، او "مكسورة لا يلبس عليها عكال"، للتعبيرعن استيائهم من ممارسات تخترق الأعراف وقواعد السلوك الاجتماعي السائد. المفردة مشتقة من "المغيسل" ، مكان غسل جثث الموتى قبل دفنهم ، و"مغسول البخت والحظ" شخص يثير المتاعب لعائلته واقربائه فيعد بنظرهم، مصدر اثارة شغب ومشاكل ، لا ينفع معه النصح والارشاد ، فتفرض عليه العزلة عندما تفشل محاولات اصلاحه ، والمغسول دماغه وكل خلاياه وجد في الدول المضطربة أمنياً بيئة مناسبة لتنفيذ عملية انتحارية لتحقيق امنيته في الوصول الى الجنة عبر الطريق السريع.
على غرار غسيل الاموال وسلوك الطرق غير الشرعية لمضاعفة الأرصدة في بنوك خارجية مسجلة بأسماء ذوي الشأن والنفوذ في اشباه الدول ، انتقل الغسيل ليشمل العقول والأدمغة ، لتسخير اشخاص بأعمار وجنسيات مختلفة من اجل تنفيذ عمليات محددة لصالح جهات ارهابية او مخابرات دولية ، وللإعلام دور في عملية الغسيل بإصرار فضائيات ومواقع الكترونية على اطلاق مفردة الاستشهاديين على الإرهابيين ، بوصفهم ينفذون "عمليات جهادية" ضد المحتلين والغزاة واعداء الأمة العربية والإسلامية.
العراقي المنكوب منذ عشرات السنين بوصفه شهد وعاصر الصراع السياسي للاستحواذ على السلطة ، راهن على النظام الديمقراطي لإزالة ركام الماضي فأصيب بخيبة حفزت مخيلته لاختيار  مفردات وعبارات  لتجرع المرارة  فكانت الخيار الوحيد ، لعلها تمنحه الأمل في رؤية الضوء في نهاية النفق . يرافق ذلك طرح اسئلة تدور حول سر ازدياد اعداد المتطوعين القادمين من دول اوروبية للانضمام الى تنظيم داعش ، تاركين الحضارة مع اصرار ورغبة في العودة الى التخلف.   الإجابة على سؤال عن خوض مغامرة من هذا النوع اختزلها العراقي بمفردة "مغسول" يطلقها على من ترك  بلده  ووصل الى المنطقة العربية ليحصل على لقب الإرهابي .
في المجتمعات العربية يتم انتقاء الاشخاص واخضاعهم لعمليات غسل الدماغ  من جهات رفعت شعار العداء للحضارة ، ترفض الانفتاح على الآخرين .  مواصفات الاختيار تبدأ عادة من المساجد ومنتديات تزعم انها ثقافية ، لكنها في حقيقتها ، تتولى رصد اشخاص يتقبلون الفكر المتشدد ، ويتمسكون بوصايا وارشادات دعاته ومروجيه ، ثم تبدأ عمليات غسل الدماغ  بمراحل عبر القاء المحاضرات وعرض مصورات وافلام ، ولقاءات مع اصحاب تجارب ، وتنظيم رحلات الى دول مجاورة للقاء عناصر ينتمون لجماعات مسلحة ، ثم الدخول في معسكرات تدريب لتعلم اساليب تفجير العبوات والأحزمة الناسفة ، حين يستكمل "المغسول دماغه " كامل استعداداته ،  يصبح ارهابيا ،  يرى وحده الطريق الى الجنّة فيسلكه في لحظة تنفيذ عملية انتحارية  يقتل فيها  الابرياء .
في مؤتمرات وزراء الداخلية العرب السابقة ، نصت المقررات والتوصيات على تظافر الجهود بين الدول الاعضاء على مكافحة الارهاب وتجفيف مصادر تمويله ، لكن الخطوات الاجرائية  لم تأخذ طريقها للتنفيذ لأسباب تتعلق بتحديد  الجماعات الارهابية  فاستحقت المنطقة العربية بحسب خبراء دوليين تسمية "منجم الإرهاب" ، بمعنى اخر احتفاظها بإنتاج نوع من الشامبو  لغسل الأدمغة ، حقق شهرة عالمية  بلا منافس .      
     

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

البْصَرة عراقيَّة.. لا عَلويَّة ولا عثمانيَّة

العمود الثامن: الجلوس على أنفاس المواطن

روما على مفترق طرق – هل تكتب الجولة الثانية نهاية أزمة أم بداية تصعيد؟

قناطر: المُوحِشُ المُسْتفرَد بين السعفِ والقبّرات

العمود الثامن: نور زهير ياباني !!

العمود الثامن: زعيم الثقافة

 علي حسين في حواره مع المثقفين العرب الذين شاركوا في معرض اربيل الدولي للكتاب ، قال الرئيس مسعود بارزاني إن : " الثقافة والمعرفة ركيزةٌ أساسية للتفاهم بين الأمم وشعوب المنطقة " .....
علي حسين

22 عاماً بين "جمهورية الخوف" و"دولة المافيا"

إياد العنبر سنتان بعد العشرين عاما على تغيير نظام الحكم في العراق، وهذه المرحلة شكلت ولادة جيل كامل، هو الآن في مرحلة الشباب. وجيل آخر، وأنا منهم، كان ينتظر لحظة سقوط الدكتاتورية، وكنا نحمل...
اياد العنبر

غزو العراق.. دلالات الصورة وتأثيرها لكشف الحقيقة

عصام الياسري مع مرور أكثر من عقدين على غزوه، لا زالت صورة المشهد الدرامي عالقة في أذهان العراقيين. ولم ينس أي مواطن عراقي عاش لحظة دخول القوات الأمريكية لاحتلال عاصمة بلاده "بغداد" بدعم دولي...
عصام الياسري

روما على مفترق طرق.. هل تكتب الجولة الثانية نهاية أزمة أم بداية تصعيد؟

محمد علي الحيدري تتجه الأنظار إلى العاصمة الإيطالية روما حيث من المقرر عقد الجولة الثانية من المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران يوم السبت المقبل، في سياق إقليمي مضطرب وتحولات دولية متسارعة. الجولة الأولى...
محمد علي الحيدري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram