TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بغداد خضراء .. هي ليست مكة أو المدينة

بغداد خضراء .. هي ليست مكة أو المدينة

نشر في: 29 نوفمبر, 2016: 06:01 م

أقول جازماً بانَّ الطبيعة، أي طبيعة جغرافية، تلقي بظلالها على النفس الانسانية، وإذا كان العرب قد قسّموا الناس قسمين: أهل المَدَر وأهل الوَبر، ويعنون بأهل المدر سكان المدن والحواضر، وأهل الوبر سكان الصحراء والبادية، فهم بذلك لما يكونوا ليعرفوا شيئاً عن سكان الماء والنخل، لما يشعروا بعد بالظلال ومعنى السكنى بين الاشجار والتنعم بما تجود به الطبيعة هناك، حتى جاء من جاء بعد ذلك، ليفرق بين البدو والحضر، بين أهل الصحراء وأهل الماء. فكان العراقان(البصرة والكوفة) المثالين الأصدقين في تقريب الصورة، وهكذا أصبحنا نتلمس نوعاً جديداً من العيش سنسميه بالأخضر، وما بين الأنهار، في الريف وفي القرية، فكانت الأراضي والبساتين الخضر التي تحيط بغداد العباسية أنموذجه الأجمل فيما بعد، وبما أنتج لنا معنى جديداً مختلفاً عن مفردتي المدر والوبر.
  سأكون بحاجة إلى تأمل نوع الحكم والسياسة العامة التي انتجت لنا الصورة المثالية للحياة في بغداد والبصرة خلال القرون الثاني والثالث والرابع من الهجرة، وسنكون بحاجة الى تتبع علاقة الدين والحكم والمجتمع، ونبحث فيما إذا بلغ التشدد الديني عند العامة بخاصة، ما يبلغه عندنا اليوم، ثم نعرّج على طبيعة الحياة والحريات الشخصية والعلاقة بين الطبقات وفحص المجتمع اقتصاديا وثقافيا وفكريا وما الى ذلك. لكننا، قد نفاجأ إذا ما دلنا بحثنا هذا على أنَّ أهلنا، حكاماً وفقهاء وخاصة وعامة الزمان ذاك، كانوا أكثر منا انفتاحاً، وأوسع منا مداركاً، وأقلنا تشدداً، وأحرص منا على التوسعة في العلم وتقبل المختلف والمغاير، ألطف منا في معاملة الأهل والجار والصديق والأجنبي، وأنَّ مدننا كانت مستقبلة لطالب الرزق والعلم والحياة المطمئنة الآمنة، حين كان الدين علاقة سرية وخاصة بين الفرد وخالقه.
  هل يكفي قولنا أن بلادنا تغرق بمصائبها التي لا تعد، منذ عقد ونصف تقريبا، بسبب استخدام الدين في الحكم، ومن ثم استخدامه في مفاصل الحياة، وزجه في كل صغيرة وكبيرة، بما جعل من فسحة العيش غير ممكنة، وبما يتسبب بموتنا يومياً، وهل يكفي أن نشير الى أن هجرة أكثر من ثلاثة ملايين عراقي إنما جاءت بسبب العنف بين الطائفتين الكبيريتن ، وهل يكفي أن نشير الى بديهية باتت ساذجة جداً، مثل قولنا: إن العنف ضد الشيعة ينتج عنفا ضد السنّة والعكس صحيح، وأن بيت رجل واحد من أهل السنّة في شارع شيعي بات مستحيلاً، أو أن هجرة المسيحيين والمندائيين والشبك والأيزيدية وغيرهم جاء بسبب من كراهية الآخر المختلف والتشدد الديني، أيعقل أننا وبعد الذي جرى ويجري، سنكون بحاجة الى تأكيد ذلك والتعريف به، والبحث في حقيقته ؟؟  
  نعتقد، جازمين بأن الوقت قد آن لكي يبحث سياسيو البلاد، في ما بعد مرحلة داعش والتحاصص والتوافق والمخاوف من هيكلة العملية السياسية، والتهديد بنسفها،كما كان يصرح بذلك رئيس الوزراء السابق، فهذه تعابير ومصطلحات أصبحت تزكم الأنوف، وهي محط سخرية الناس. وعلى الناس ان يقولوا لهؤلاء: هيا،اخرجوا من قمقم الدولة الدينية ودهليز التوزيع الطائفي الى رحابة الدولة المدنية والمواطنة، قبل ان نخرجكم منها بالقوة، فقد أنهكتم البلاد وحطمتم مستقبل أبنائنا، وأننا لن نتوقع معجزة عندكم تنتشلنا من مستنقعكم هذا، او ان البلاد ستكون بخير على أيدي غيركم. وعلى الشعب أن يعي بأن رحيل الحاكم الظالم لن يتم بالدعاء عليه في المساجد، وأن دولة العدل الإلهي موجودة في الكتب لا غير، ذلك لأن 1437 سنة مضت على فكرة الدولة الموعودة هذه، التي لم تقم ساعة من النهار. واخيرا، بغداد ليست مكة او المدينة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram