(1-3)
قال فرويد: مررنا في مناسبات عدة، بشكل متشظ، على فكرة الجمال والجميل حتى وقعتُ اليوم في مجمع الأمثال للميداني على مثل عربي مكوّن من كلمة واحدة، هو "جَمَالك" أي الزم ما يورثك الجمال. يعني أجمل ولا تفعل ما يشينك.
قلتُ لفرويد: لسان العرب ليس كتاباً في علم الجماليات كما نعرف. لكنه يُلقي نتفاً عن مفهوم الجمال، هنا وهناك. فالجَمَال مصدر الجَمِيل، والفعل جَمُل. وقوله عز وجل "ولكم فيها جَمَال حين تُريحون وحين تسرحون"؛ أَي بهاء وحسن. قال ابن
سيده (الجَمَال [هو] الحسن يكون في الفعل والخَلْق). وقد جَمُل الرجُل، بالضم، جَمَالاً، فهو جَمِيل وجُمَال، بالتخفيف؛ وجُمَّال، والجُمَّال، بالضم والتشديد أَجمل من الجَمِيل.
قال فرويد: هنا نرى ارتباط الفعل والخَلْق الذي يصدر عنه بهاء وحسن.
قلتُ لفرويد: وجَمَّله أَي زَيَّنه، وهنا الزينة والتزاويق، ومن ذلك امرأَة جَمْلاء وجَميلة؛ قال (وَهَبْتُه من أَمَةٍ سوداء، ليست بِحَسْناء ولا جَمْلاء). وقال الشاعر (فهي جَمْلاء كَبدْرٍ طالع، بَذَّتِ الخَلْق جميعاً بالجَمَال).
وفي حديث الإِسراءِ (ثم عَرَضَتْ له امرأَة حَسْناء جَمْلاء) أَي جَمِيلة مليحة، وفي الحديث (جاءَ بناقة حَسْناء جَمْلاء).
قال فرويد: أرى في قول ابن الأَثير (والجَمَال يقع على الصُّوَر والمعاني) الذي مررنا عليه سابقاً، دلالة جوهرية، إضافة لمفهوم الجمال المسرود هنا.
قلت لفرويد: نعم تماماً، ومنه الحديث "إِن الله جَمِيل يحب الجَمَال" أَي حَسَن الأَفعال كامل الأَوصاف؛ وقول عبيد الله بن عتبة (وما الحَقُ أَن تَهْوَى فتُشْعَفَ بالذي هَوِيتَ، إِذا ما كان ليس بأَجْمَل)، يجوز أَن يكون أَجمل فيه
بمعنى جَمِيل، وقد يجوز أَن يكون أَراد ليس بأَجمل من غيره.
قال فرويد: لاحظتُ يا بُنيّ أن المجاملة التي يستخدمها العرب اليوم مرتبطة بمغهوم الجمال كذلك.
قلت لفرويد: ملاحظة في محلها، فالتَّجَمُّل هو تَكَلُّف الجَمِيل. يقولون "جَمَّل افيفي عليك تَجْميلاً"، إِذا دعوت له أَن يجعله افيفي جَمِيلاً حَسَناً. والمُجاملة هي المُعاملة بالجَمِيل، والمُجَامِل الذي يقدر على جوابك فيتركه إِبقاءً على مَوَدَّتك. والمُجَامِل الذي لا يقدر على جوابك فيتركه ويَحْقد عليك إِلى وقت مّا؛ وقول أَبي ذؤَيب (جَمَالَك أَيُّها القلبُ القَرِيحُ - سَتَلْقَى مَنْ تُحبُّ فتَسْتَريحُ) يريد الزم تَجَمُّلَك وحياءَك ولا تَجْزَع جَزَعاً قبيحاً. وجامَل الرجلَ مُجامَلة يعني لم يُصْفِه الإِخاءَ وماسَحَه بالجَمِيل. وقال اللحياني: اجْمُل إِن كنت جامِلاً، فإِذا ذهبوا إِلى الحال قالوا: إِنه لجَمِيل: وجَمَالَك أَن لا تفعل كذا وكذا أَي لا تفعله، والزم الأَمر الأَجْمَل؛ وقول الهذلي (أَخُو الحَرْب أَمّا صادِراً فَوَسِيقُه جَمِيل، وأَمَّا واراداً فمُغَامِس)، قال ابن سيده إن معنى قول جَمِيل هنا أَنه إِذا اطَّرد وسيقة لم يُسْرع بها ولكن يَتَّئد ثِقَةً منه ببأْسه.
قال فرويد: الجمال في بيت الهذلي يعنى الرزانة؟
قلتُ لفرويد: أجلْ. يقولون أَجْمَلْت الصَّنِيعة عند فلان وأَجْمَل في صنيعه وأَجْمَل في طلب الشيء أي اتَّأَد واعتدل فلم يُفْرِط؛ قال (الرِّزق مقسوم فأَجْمِلْ في الطَّلَب)، وقد أَجْمَلْت في الطلب.
قال فرويد: أحْسَنوا.
لسان العرب حسب سيغموند فرويد: مفهوم الجمال
نشر في: 2 ديسمبر, 2016: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/almada-ad.jpeg)
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/almada-ad.jpeg)
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/Almada-logo.png)