adnan.h@almadapaper.net
مُفخّخة أخرى، كبيرة أيضاً، تسعى الآن الطبقة الحاكمة لوضعها تحت بَدَن لا دولتنا كيما تعوّق، بل تمنع، تطوّرها إلى دولة لها كيان يستند إلى ركائز متينة، وتكون مُقدَّرة ومحترمة من سائر الدول ومحبوبة ومُهابة من شعبها.
قانون مجلس قبائل وعشائر العراق الذي قرأه مجلس النواب القراءة الاولى الخميس الماضي، إنما يؤسّس، حين تشريعه، لكيان سيكون سلوكه وتصرّفه داخل كيان الدولة نسخة طبق الأصل من سلوك وتصرّف الخليّة السرطانيّة في الجسم البشري، كما لو أنّ دولتنا اللادولة لا تكفيها معاناتها الراهنة من وجود المليشيات والمنظمات الحزبية التي تتصرّف بوصفها فوق الدولة وخارجها.
القانون يُعطي لرؤساء القبائل والعشائر سلطة تفوق، أو في أحسن الأحوال توازي، سلطة الإدارات المحلية، ما سيجعل هذه الإدارات تتملق رؤساء القبائل والعشائر الذين كانوا على الدوام يتملّقون رؤساء السلطات الإدارية ويستجدون رضاهم.
سريعاً تلقّف مجلس النواب مشروع قانون القبائل والعشائر ووضعه على جدول أعماله، هذا الجدول الذي ظلت على قائمة الانتظار الطويل فيه قوانين احتاج إليها الشعب وتطلّبتها مصلحته منذ عقد من الزمان.
مجلس النواب هذا، ومن خلفه الطبقة السياسية الحاكمة المنصرفة إلى مصالحها الشخصية والحزبية الأنانية، يؤدي التحية بكلتا اليدين لأكثر الفئات الاجتماعية انتهازيةً، فيما يترك البلاد من دون القوانين والمؤسسات اللازمة لبناء الدولة التي ألزم الدستور منذ أكثر من عشر سنين بتشريعها.
هذا المجلس يريد التأسيس لهيئة طفيلية ستكون عالة على الدولة والمجتمع، فيما هو يترك الدولة من دون قوائم تحملها أو جدار تُسنِد إليه ظهرها .. من دون محكمة دستورية، ومن دون الهيئة التشريعية العليا (مجلس الاتّحاد) المنصوص عليه في الدستور، ومن دون مجلس خدمة اتّحادي مع أنّ قانونه قد شُرّع منذ سبع سنوات!
مجلس النواب يجد الوقت الكافي لتأمين مصالح رؤساء القبائل والعشائر، لكنّه لا يجد مثل هذا الوقت لتشريع قوانين حيوية تُحقّق مصالح الشعب وتنتقل باللا دولة الحالية إلى دولة قوية، كقانون النفط والغاز، أو قانون الهيئة العامة لضمان حقوق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، أو قانون الهيئة العامة لمراقبة تخصيص الواردات الاتحادية، أو القانون الخاص بضمان الحقوق الإدارية والسياسية والثقافية والتعليمية للقوميات المختلفة كالتركمان والكلدان والآشوريين وسائر المكونات الاخرى، أو قانون النقابات والاتحادات، أو الإجراءات الخاصة بتنفيذ المادة 140، وهذه جميعاً استحقاقات دستورية ظلّت مؤجلة من دورة برلمانية إلى أخرى، بخلاف قانون العشائر والقبائل الذي لم تحتمل رئاسة مجلس النواب صبراً على تأجيله فتلقفته أيدي النواب كما يتلقف الجياع كل ما يحفظ الرمق.
قبل خمس وثمانين سنة حذّر الملك المؤسِّس، فيصل الأول، الطبقة السياسية في وقته من مخاطر أن تكون "الحكومة أضعف من الشعب"، مشيراً إلى ملكية القبائل والعشائر 100 ألف بندقية في مقابل 15 ألف بندقية هي ملكية الحكومة.. وبعد خمس وثمانين سنة تُعيد الطبقة السياسية الحاكمة اليوم الحال إلى ما كانت عليه في ذلك الزمن الغابر بتمكين الميليشيات والعشائر من الدولة !
جميع التعليقات 2
ييلماز جاويد
حيل بينا يا عدنان ، كلها من عدنا .. ما دافعنا عن حقوقنا .. لكن ملحوگة .. إذا ما تدلهم ما تمطّر .. وحياتك ما تدوم لهم .. نوري السعيد هم گال دار السيّد مأمونة .
ناظر لطيف
باتت سرعة تهديم الدولة بوتيرة أسرع فكل يوم نصحى على كارثة جديدة مبتكرة، أذا كان هدف النواب هو تدمير الدولة كوجود فقد خطو خطوات واسعة في هذا الطريق ونجحوا في ذلك كما نجحوا في ارساء الطائفية والمحاصصة كمنهج عمل لكنهم للاسف لم فشلوا في كل ما يفيد الوطن والدو