ترجمة / عادل العامللماذا يكوّن وول ستريت الأرانب الكبيرة؟ إن أمةً بـ 10 بالمئة من البطالة، كما يقول الكاتب روبرت ساميلسون في مقاله هذا، متحيرة بشكلٍ غير قابل للفهم و غاضبة حين يبدو الناس الذين في مركز الأزمة المالية أول مَن يتعافى و يتقاضون رواتب خرافية.
ففي غولدمان ساكس تم تقدير معدل الراتب بالنسبة لعام 2009 بـ 600,000 دولار تقريباً؛ و في مصرف استثمار ج. ب. مورغان أدنى قليلاً من 400,000 دولار. و هذه المعدلات تُخفي وراءها علاوات بملايين عدة من الدولارات لكبار المتاجرين و مصرفيي الاستثمار؛ أما المرؤوسون فيحصلون على مبالغ أصغر، فهل قادة وول ستريت هم أبرع كثيراً و أشد اجتهاداً و جداً من أي شخصٍ آخر؟ وفقاً لإقرارهم، ليسوا كذلك، ففي شهادةٍ مؤخراً أمام لجنة مكونة بواسطة الكونغرس، أقر مديرون تنفيذيون رؤساء من وول ستريت بأن أخطاءهم قد ساهمت بشكل مباشر في الأزمة. و قد يكون رجال المال في وول ستريت أذكياء و مجتهدين، لكنهم ليسوا منقطعي النظير في ذلك. فهم حيث يعملون يكون الثراء و ليسوا لأنهم هناك. و قد وجدت دراسة لخريجين من هارفارد أن أولئك الذين دخلوا عالم التمويل " يكسبون ثلاثة أضعاف دخل الخريجين الآخرين بمعدل علاماتهم الدراسية نفسه"، كما جاء في تقرير الاقتصادي الهارفردي لورنس كاتز، المؤلف المساعد لهذه الدراسة. فهل يمكن أن يكون ما يفعله وول ستريت أكثر قيمةً للمجتمع ثلاثة أضعاف مما تفعله مهنٌ أخرى جيدة الدفع؟ من الصعب تصديق ذلك، فليس وول ستريت بالكازينو الواسع للخيال الشعبي، إنه يساعد في توزيع رأس المال، الذي يرقى بالاقتصاد النشيط. ففي عام 2007، مكَّنت شركات وول ستريت الأعمال التجارية من زيادة 2.7 بليون دولار من بيع السلع، و السندات المختلفة، غير أن وول ستريت يسيئ أحياناً توزيع الرأسمال، كما تذكّرنا بذلك على نحوٍ مؤلم " فقاعة تكنولوجيا " التسعينيات وأزمة اليوم، فالتكاليف الاجتماعية ( البطالة المرتفعة، و الدخل المفقود ) تدحض فكرة أن وول ستريت يخلق على نحوٍ ثابت قيمة اقتصادية استثنائية تبرر المكافأة أو التعويض الاستثنائي.إن تفسير رواتب وول ستريت المرتفعة يكمن في مكانٍ آخر، فمعظمنا يتلقى أجره أو راتبه استناداً على ما ينتجه أو بشكلٍ أكثر واقعيةً، على ما ينتجه مستخدِمونا . و بالمقارنة، فإن مستويات تعويض وول ستريت معقودة بالثروة الاجمالية للأمة. و مصارف الاستثمار، و الاعتمادات الوقائية، و شركات الأسهم العادية الخاصة و الكثير من مؤسسات التمويل الأخرى تتاجر بالسلع، و السندات و ضمانات أخرى من أجل ربحها هي، كما أنها تنصح الاعتمادات المشتركة، و اعتمادات التقاعد، و الأوقاف و الأثرياء الأفراد بكيفية المتاجرة و الاستثمار. و هناك فرق كبير بين الانتاج السنوي و الثروة الوطنية. ففي عام 2007، السنة التي قبل الأزمة، كان الانتاج السنوي (الإنتاج المحلي الإجمالي ) يساوي تقريباً 14 تريليون دولار. و في السنة نفسها، كانت ثروة الأسَر 77 تريليون دولار ( 5.5 أضعاف الانتاج )؛ و كان ذلك يغطي قيمة البيوت، و المركبات، و السلع، و السندات و ما شابه ذلك. و قد أدى حذف الممتلكات غير المالية ( بشكل رئيس البيوت) إلى خفض الثروة إلى نحو 50 تريليون دولار ( 3.5 أضعاف )، أما طرح الديون الأسرية من الثروة المالية، فقد أنزل الثروة إلى 35 تريليون دولار ( 2.5 ، ضعفي الدخل و نصف ). إن الناس الذين يحاولون حماية أو توسيع الثروة الموجودة يمارسون رهانات مالية أعلى بكثير حتى من المنتجين المثابرين الماهرين إلى درجة عالية، و ذلك هو السبب الرئيس في تلقيهم رواتب أكبر. و تنتقل تغيّرات النسبة المئوية المماثلة في الانتاج و الثروة إلى مكاسب أو خسائر أكبر بكثير في الثروة ــ صعوداً إلى خمسة أضعاف. و يتمتع قانونيون أو محامون كثيرون بالوضع المحسود نفسه حيث يُدفع لهم على أساس زيادة الثروة أو حمايتها، فهم معتبَرون ضمن اندماجات و اكتسابات الرهانات العالية، و ترخيص العقارات، و تنظيم حالات الطلاق و الضرائب. و في المتوسط، كسبَ شركاء في 25 شركة قانون 1.3 مليون دولار إلى 4 مليون في عام 2008، كما جاء في تقارير مجلة ( القانوني الأميركي ).كل هذا وفر سياقاً لجدالات اليوم المتعلقة بالرواتب، و قد يكون وول ستريت جشعاً ــ و مَن ليس كذلك؟ ــ لكن تفسير تعويضاته، أو مكافآته المرتفعة، هو قاعدته الاقتصادية ( الثروة و ليس الانتاج ). و ذلك هو السبب في أن من الصعب التحكم به أو تنظيمه. فمنذ الستينيات، تغيرت الصناعة بصورة دراماتيكية، ثم جاء الدخل من العمولات على شراء السلع و السندات للآخرين. و في عام 1966، كانت العمولات 62 بالمئة من الدخل، أما الآن، فإن الشركات تقوم على الأغلب بإنجاز أو إدارة الاستثمارات لأنفسها و لغيرها. و في عام 2007، وفرت العمولات 8 بالمئة من الدخل فقط. إن التحول جعل وول ستريت مصدراً أعظم لعدم الاستقرار الاقتصادي الاحتمالي. فقد فاقمت بعض رزم المكافآت الأزمة بفعل تقديم علاوات كبيرة إذا ما غلَّت المجازفات الكبيرة، و لأن الحكومة وفّرت شبكة أمان للنظام كله، فمن المبرَّر لها أن تفرض ضرائب على الصناعة ــ كما اقترح
الأزمة .. و رواتب المصرفيين الكبار الخرافية
نشر في: 8 فبراير, 2010: 04:53 م