"منذ بداياتي وأنا أعمل بعصامية أفتخر وأعتز بها، ورغم البدايات الصعبة والمعقدة في غربتي لكنني أصررت أن أستمر بالعمل وحدي ولن أضع نفسي تحت مظله جهه حكومية أو رسمية رغم كل العروض المغرية وهذا ما أفتخر به كثيراً." هذه العبارة كانت بداية لحواري مع ا
"منذ بداياتي وأنا أعمل بعصامية أفتخر وأعتز بها، ورغم البدايات الصعبة والمعقدة في غربتي لكنني أصررت أن أستمر بالعمل وحدي ولن أضع نفسي تحت مظله جهه حكومية أو رسمية رغم كل العروض المغرية وهذا ما أفتخر به كثيراً." هذه العبارة كانت بداية لحواري مع الفنان التشكيلي احمد البحراني، الذي وضع بصمة خاصة ومميزة في مجال الفن التشكيلي عموماً والنحت على وجه الخصوص، وباستخدام خامات مميزة وصلبة، "صعبة التعامل" إلا أنه استطاع أن يخلق أعمالا شاركت في أهم المعارض العربية والعالمية، وشكلت حضوراً مميزاً وواثقاً، ومع تجربة دامت 23 عاماً للبحراني إلا أنه ما يزال في شوق كبير لتطبيق تجربته وعرضها ضمن معرض شخصي يقيمه في وطنه.
عن تجربة البحراني، وكيفية تعامله مع الخامات التشكيلية، وطريقة ايصال عمله للمتلقي سنتحدث من خلال حوار أجرته "المدى" معه:
* رغم انك ممن حملوا هوية الوطن في كل عمل قدمته أو كل معرض اقمته إلا انك لم تقم اي معرض داخل العراق فما السبب؟
- سيظل الحلم الكبير أن يكون لي معرض في بغداد أو في أي مكان في العراق وطني الحبيب، وكنت قد وعدت نفسي أن أسميه المعرض الشخصي الأول رغم أنني أقمت أكثر من 14 معرضا شخصيا حتى اليوم، فقبل 23 سنه تقريباً لم أكن قد أقمت أي معرض قبل مغادرتي للعراق، وسيظل أملي كبيرا أن أقيم معرضاً قريباً في بغداد ان شاء لله .
* عودنا النحاتون والتشكيليون اختيار خامات مطاوعة لليد ليقدموا من خلالها اعمالهم، أما انت فاخترت الحديد لتكون مادتك الخام في اعمالك النحتية، ما السبب في اختيار هذه الخامة الصعبة التعامل ؟
- بطبيعتي أحب التعامل مع المواد الصعبة والتي تشبهني وأشعر أنها الأقرب لنفسي، ولما أود طرحه من مواضيع، الحقيقة في السنوات الخمس الأخيره أغلب أعمالي كانت بماده البرونز، أما الحديد الذي عرفني الجمهور من خلاله فيظل عشقي الأول ولكن طبيعة المواضيع التي أعمل عليها الآن تتطلب وتفرض عليّ استخدام البرونز وهو الأقرب لها ولما أريد طرحه من خلالها .
* رغم تأثرك بالتراث والحضارات، إلا أنك لم تحاول تكرار تجربة اي فنان ابدع قبل خمسة الاف عام في مجال النحت والتشكيل، حتى لو كان هذا التكرار باسلوبك المعاصر فما السبب في رفضك هذا؟
- الفن العراقي له جذور عميقه في التاريخ تمتد لآلاف السنين وتركت آثارها العظيمه على المشهد العراقي في مجال الفن والعمارة، وهذا إرث كبير وله تبعات تحمل وجهين سلبيا وايجابيا على الفنان، فالسلبي منها هو أنها صارت تشبه الصليب على ظهر مبدعينا وهم يحاولون ايجاد حلول بصرية وفنية تبعدهم عن التكرار لعمل فني لفنان عمره أكثر من 5000 سنه، وهذه مهمه تحتاج لجهد كبير ورؤية مستقبليه للفنان، وبحث مستمر، يجعله ينتمي لما يجري اليوم بعالم الفن في العالم، أما الوجه الايجابي فهو أنني أفتخر بأن لي جذورا في هذا الكون تمتد لعمق التاريخ والتي استندت عليها في بداياتي ولا أزل وسأبقى أعتز وأفتخر بها ولكن على أن لا تجعلني أدور حولها وتحت عباءتها، ولذلك أحاول جاهداً أن يكون عملي أكثر شمولية وينتمي للكون وللانسانيه كلها .
* جمهورك يلمس تأثرك الكبير بعدد من التشكيليين العالميين ويقال أنك متاثر جدا بهنري مور فماذا تقول في ذلك؟
- ربما تكون هناك تأثيرات لفنانين سبقوني في مجال النحت وهذه مسأله صحية بطبيعة الحال، ولكن على أن نضع بصمتنا الخاصة فالعقل البشري واحد والمشاعر واحدة كذلك هي المفردات في هذا الكون واحدة وملك للجميع ومن حق أي فنان أن يستلهم أعماله منها، ولكن موضوع تأثري بهنري مور النحات الانكليزي الشهر بعيد كل البعد عن طبيعة أعمالي من البدايات لليوم ربما تكون هناك تأثيرات لفنانين آخرين وهذا شيء ممكن جداً لأن الجمال يترك أثره علينا بدون وعي وأنا انسان طبيعي أتأثر بكل ماهو جميل حولي ولكنني دائما أحاول ايجاد حلول خاصة بي تشبهني وقريبة من شخصيتي رغم الكلام الكثير الذي أسمعه، ولكن أنا أقول أن الزمن هو أهم ناقد للفنان والاستمرارية في النتاج والابداع خير رد على كل التساؤلات .
* العمل التشكيلي في الغالب يحمل شيئا من الغموض، فكيف تحافظ على هذا السر في عملك التشكيلي، وعلى مدى وصوله للمتلقي البسيط ؟ أو بمعنى اصح كيف تحافظ على المسافة بين الغموض في العمل التشكيلي وقبول المتلقي لهذا العمل؟
- ربما بداياتي كانت بعكس البدايات التقليدية لأي نحات، فأنا عرفت واشتهرت أعمالي في التجريد من بداياتي رغم أنني أبن المدرسة الأكاديمية وتعلمت النحت التقليدي في معهد الفنون في بغداد وعلى يد أساتذة كبار ولكنني عشقت التجريد في بداياتي وعرفت من خلاله وكانت تلك المرحلة تحمل من الغموض الكثير والتأويلات المختلفة بين المتابعين والنقاد، ولكن منذ أكثر من ست سنوات وأنا أعمل في منطقة بين التعبيرية والواقعية، وأنا لا أريد أن أضع نفسي في مربع واحد وأعمل فيه ولذلك أنا ضد المسميات المتعارف عليها في المدارس الفنية فمن صنع ووضع تلك المسميات بشر مثلنا ويمكننا أن نضع مسميات خاصة بنا، أنا اليوم أشعر بنفسي أقرب للجمهور وخاصة أبناء جلدتي ومن الناس البسطاء الذين لايمكنهم زيارة قاعات العرض الفخمة واقتناء الأعمال الفنية ولكن سعادتي الحقيقية بتلك القاعدة الجماهيرية التي أسستها من خلال تواصلي معهم لأنني أشعر أنني صرت لسان حالهم وأقرب منهم لأنني أعبر عن قضاياهم ولكن بلغة فنية عالمية يفهمها ويتعاطف معها كل العالم ولاأقصد بالعالمية أنني فنان عالمي لأن الموضوع يتحمل كثيرا من التفسيرات ولكنني أقصد أن جمهموري صار من كل الجنسيات في العالم وهذا ما أفتخر به رغم أن أغلب مواضيعي جذورها من الوطن مع استخدامي لمفردات عالمية معروفة أحياناً .
* يقال ان الفن التشكيلي العراقي ماهو إلا اعمال مكررة لكبار الفنانين العالميين، فإلى أي مدى استطعت أن تُستثنى من هذه المقولة في أعمالك المقدمة؟
- هناك قول ينسب لعلي بن أبي طالب عليه السلام " لولا كلام الأولين لانتهى الكلام " وهذا تعبير عميق وأجابة عميقة وواضحة عن هذا السؤال، نعم كل ماينتج اليوم يستند إلى تجارب سبقت تجاربنا وأن لم يعترف بعض الفنانين بشكل مباشر ولكن هذه هي الحقيقة، لا أقصد هنا التكرار والنقل المباشر ولكنني أقصد تأثيرات المبدعين الذين سبقونا ونظل نحن ومن يأتي بعدنا نبحث في حلول تقنيه تعطينا هوية خاصة بنا .
* آخر عمل نحتي لشخصية عراقية عملت عليها هي لرئيس الوزاراء الراحل نوري سعيد، فلماذا وقع اختيارك على هذه الشخصية؟
- نوري السعيد هو واحد من مجموعه شخصيات عراقية تركت أثرها الشعبي والاجتماعي والسياسي على تاريخ وذاكرة العراقيين وسبق نوري السعيد بورتريه للشاعر الكبير الجواهري وهذا المشروع شخصي بدون رعاية أو طلب أو املاءات من أية جهة رسمية أو غير رسمية فهو مشروع لي، وأنا قررت أن أوثق بعضاً من الشخصيات العراقية المؤثرة وأحتفاظ بها للتاريخ ربما تجد لها يوماً ما مكان في هذا الكون.