TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ليلة طهران

ليلة طهران

نشر في: 5 ديسمبر, 2016: 09:01 م

"جزء أول"
شفيت من جراح، لم تكن خطيرة، إثر انفجار كبير وسط العاصمة الإيرانية، طهران، لكن آثارها لم تزل واضحة أعلى حاجبي الأيمن ومفصل إبهام قدمي اليسرى. لم تكن إصابتي بسبب مباشر من الانفجار بل بسبب شظايا جدار زجاجي سميك في غرفة الفندق حيث أقيم.
غير أن الخبر السعيد هو صدور وثيقة السفر (ليسا باسيه) للعبور إلى دمشق، بعد تخفٍّ في العاصمة الإيرانية المزدحمة تجاوز الثلاثة شهور بلا أية ورقة ثبوتية. كنّا ننعم بحماية ما من حزب كردي على علاقة جيدة بالإيرانيين. صاحب الفندق (لاهيجان علائي، بلا أي نجمة!) كان "متواطئاً" معنا، ورفاقنا في منظمة الحزب الشيوعي العراقي يعرفونه، وسألوه صيانة الوديعة فكان نعم الرجل الأمين.
كان معي الفنان حمودي شربة، عضو فرقة "الطريق" الموسيقية.
اكتشفنا، فيما بعد، أن الحصول على "فيزا" سورية ليس أسهل من استصدار وثيقة السفر. لا يفصل بين السفارة السورية وسفارة اليمن الديمقراطية، طيبة الذكر، سوى أمتار قليلة، لكن الوصول الى الموظف السوري المسؤول عن جمع الطلبات لا يظهر إلا كل بضع ساعات بينما جمهرة المراجعين تزداد بمرور الوقت. قلت لصاحبي، حمودي، عندي فكرة: بما أنك عملت في عدن، وتعرف تفاصيلها، دعنا نزور رفاقنا بالسفارة اليمنية، ونطلب مساعدتهم لاستحصال الڤيزا من الأشقاء السوريين، فالمثلث السوري اليمني الإيراني في أفضل حالاته الهندسية. وافقني حمودي مع بعض التردد:.. لكننا لم نأخذ رأي المنظمة.
رددت ساخراً: من فضلك جمّد التزامك الشيوعي حتى نحصل على الڤيزا. هكذا جمد حمودي التزامه وانصاع لاقتراحي غير المؤكد.
دخلنا سفارة اليمن الديمقراطي وطلبنا مقابلة السفير. رد الموظف مستغرباً: السفير دفعة وحدة؟ ألا يمكنني مساعدتكما؟
قلت: أما السفير أو نعود من حيث أتينا. نحن شيوعيان عراقيان وثمة قضية مهمة لا يحلها غيره. اتصل بالسفير ليبلغنا بأن "تفضلوا السفير ينتظركما". استقبلنا السفير بلطف أكثر دفئاً من البراعة الدبلوماسية. وما أن بادرت بالحديث حتى أجابني بلباقة وأريحية: أهلا بكما، ونحن نقدر عالياً دور رفاقنا العراقيين الذين عملوا في اليمن. أجبت هذا الرفيق (حمودي) عمل مدرساً للموسيقى في مدارسكم. مشكلتنا بسيطة تتلخص بمساعدتكم لاستحصال ڤيزا سفر إلى دمشق، ومن نافذة مكتبك يمكنك أن ترى جمهرة المراجعين.
قال: أعرف. لكن ثمة إجراء رفاقي لا يمكنني تجاوزه. اطلبوا من رفاقنا العراقيين، بطهران، "كلمة سر" وتعالوا غداً وسأكون في خدمتكم.
ودعناه ورحنا في طريقنا إلى الرفيق جاسم الحلوائي، كان مسؤول منظمتنا في إيران. دردم حمودي: ها، هـيچ احسن لك؟ ألم أقل.....؟
أجبته بثقة: دع الأمر لي. أنا أعرف الرفيق أبو شروق. هو إنسان متفهم، بل على غاية اللطف. لكننا لا نعرف أين يقيم الحلوائي، فالعمل الحزبي هناك على غاية السرية، والسلطات الإيرانية لا تتسامح،أبداً، مع أي وجود لتنظيم شيوعي. ما خفف ضغط المراقبة والسيطرة هو الوجود الكثيف للمهجرين العراقيين الذين تكتظ بهم شوارع المدينة.
كانت علاقتنا خيطية برفيق واحد فقط يتابع شؤون سفر الرفاق في العلاج والإقامة والسفر.
زارنا الرفيق "الخيطي" مساء في الفندق فأبلغناه بما جرى نهار اليوم، فرد بأنه سيكون هنا صباح الغد ليخبرنا بالنتائج.
جاء الرفيق "الخيطي" صباحاً لكنه ليس بمفرده بل بصحبة الحلوائي نفسه، وما أن شرعت بقراءة ملامح أبو شروق ولغة جسده، حتى أدركت أن النتيجة "حمامة" وليس "غراباً" حسب المثل الشعبي العراقي.
ليس هذا، حسب، بل إن أبا شروق شكرنا لأننا فتحنا باباً لم يطرق من قبل لتسهيل سفر الرفاق إلى دمشق. وقال كلمة السر هي "...". طبعاً نسيتها!  
البقية في الأسبوع المقبل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

 علي حسين اعترف بأنني كنت مترداً بتقديم الكاتب والروائي زهير الجزائري في الندوة التي خصصها له معرض العراق الدولي للكتاب ، وجدت صعوبة في تقديم كاتب تشعبت اهتماماته وهمومه ، تَّنقل من الصحافة...
علي حسين

قناديل: في انتظار كلمة أو إثنتيّن.. لا أكثر

 لطفية الدليمي ليلة الجمعة وليلة السبت على الأحد من الأسبوع الماضي عانيتُ واحدة من أسوأ ليالي حياتي. عانيت من سعالٍ جافٍ يأبى ان يتوقف لاصابتي بفايروس متحور . كنتُ مكتئبة وأشعرُ أنّ روحي...
لطفية الدليمي

قناطر: بعين العقل لا بأصبع الزناد

طالب عبد العزيز منذ عقدين ونصف والعراق لا يمتلك مقومات الدولة بمعناها الحقيقي، هو رموز دينية؛ بعضها مسلح، وتشكيلات حزبية بلا ايدولوجيات، ومقاولات سياسية، وحُزم قبلية، وجماعات عسكرية تنتصر للظالم، وشركات استحواذ تتسلط ......
طالب عبد العزيز

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

سعد سلوم في المقال السابق، رسمت صورة «مثلث المشرق» مسلطا الضوء على هشاشة الدولة السورية وضرورة إدارة التنوع، ويبدو أن ملف الأقليات في سوريا يظل الأكثر حساسية وتعقيدا. فبينما يمثل لبنان نموذجا مؤسسيا للطائفية...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram