محطة تلفزيون بغداد كانت تعرض كل يوم خميس السادسة مساء برنامج قرقوز إعداد وتقديم الراحل أنور حيران بالاشتراك مع زميله طارق الربيعي ، البرنامج حقق شهرة واسعة في ستينيات القرن الماضي لاستقطابه جمهورا عريضا من مختلف الاعمار ، على الرغم من الامكانات الفنية الضعيفة وقتذاك، استطاع "قرقوز حيران" ان يلفت انتباه المشاهدين ، عبر إلقاء نصائح وإرشادات موجهة لصغار السن بالتحديد تتعلق بضرورة الحفاظ على النظافة ، وسلوك الرصيف للوصول الى المدرسة ، وغسل الاسنان قبل النوم باستخدام الماء الساخن والملح ، وغيرها من النصائح الاخرى ترافقها أغنية ، سرعان ما تنتشر في اليوم التالي يرددها الصغار والكبار ، ومنها ما كان يخضع لتفسيرات واحالات تثير سخط الاجهزة الامنية ، حين ترصد كبار السن يرددون اغاني تتناول بالنقد شخصيات تتعاطى المراهنات واستخدام كل اساليب الاحتيال لتحقيق مصالحها .
للمخرج المسرحي المصري الراحل صالح سعد اكثر من تجربة في استخدام شخصية القرقوز في تقييم عروض تتناول ظواهر اجتماعية وسياسية لا تخلو من سخرية ، وخاصة تطبيع العلاقات مع اسرائيل وتأثيرها في الشارع المصري. القرقوز في العراق يختلف عن نظيره المصري ، فهو يجب ان يخضع لسلطة الرقيب يحترم دور رجال الامن في تطبيق النظام والقوانين ، يبتعد عن الخوض في القضايا السياسية لكي لا يثير غضب السلطة ، وله كامل الحرية في تلميع صور المسؤولين ودورهم التاريخي في تحقيق المنجزات الثورية والمكتسبات لابناء الشعب .
غاب برنامج قرقوز عن التلفزيون ، ورحل أنور حيران الى العالم الآخر ، ولم يغامر احد بان يكون بديلا له ،فخسر العراقيون ولادة قرقوز ما بعد الحداثة ، ينصحهم ويرشدهم لسلوك افضل المسالك للخلاص من المهالك ،ولكثرة وجود قرقوزات السياسة من فئة محتال دولي، ونفوذهم وامتلاكهم فضائيات ووكالات انباء ومواقع إلكترونية اصبح من المستبعد ظهور قرقوز جديد يوجه للجيل الجديد نصائح وارشادات تربوية واخلاقية ، ويحذرهم من المحتالين متصدري المشهد السياسي.
كثرة الاحزاب العاملة في الساحة السياسية لا تعطي مؤشرا حقيقيا على رسوخ التجربة الديمقراطية ، بل كلما انخفضت الاعداد ستكون القواعد الشعبية في موقع يطل على المشهد لمراقبة النشاط ثم اتخاذ قرار الانضمام الى الحزب الفلاني. بعد عام 2003 عادت الاحزاب القديمة بقياداتها وكوادرها ، منها من حالفها التوفيق فحققت حضورا كبيرا في مجلس النواب ، ثم شاركت في الحكومات المتعاقبة ، فأصبحت ذات نفوذ وتأثير ، فتحت باب الانتماء امام الراغبين في الانضمام الى التنظيم فدخل من يبحث عن وظيفة حكومية ، ليعتنق عقيدة الحزب مع اعلان استعداده للدفاع عنها في السراء والضراء.
من مظاهر الزمن العراقي "الأغبر" ، تصنيف قادة الأحزاب ورؤساء الكتل والزعماء الروحيين لبعض القوى ، على أساس امتلاك قوة التأثير في القواعد الشعبية ، تستطيع في الانتخابات المقبلة ان تغير المعادلة لصالح قائمة على حساب اخرى ، الساحة العراقية شهدت ولادة قرقوزات بقدرة قادر بأشكال وازياء متنوعة ، جعلت المشهد السياسي كوميديا هزيلا.
قرقوز مرقّط
[post-views]
نشر في: 5 ديسمبر, 2016: 09:01 م
جميع التعليقات 1
أبو أثير
أعتقد ... ويؤيدني الشارع العراقي بأننا في العراق الجديد لا نحتاج الى قرقوز جديد يخرج علينا مساء كل خميس ... فساسة العراق الحاليين ومن يتصدر المشهد السياسي عوضوا عن رحيل أنور حيران وطارق الربيعي .... وذلك لأنهم يقدمون لنا في كل مساءومن على العشرات من الفض