اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مدنيّون ضدّ المدنيّة

مدنيّون ضدّ المدنيّة

نشر في: 7 ديسمبر, 2016: 06:50 م

عندما كتب علي شريعتي كتابه الشهير "دين ضد دين"، كان يعالج بدوره إشكالية التيارات الأثوذكسية في الفضاء الديني، التي تنشغل بالتفاصيل وتعجز عن اجتراح رؤية شاملة ومنفتحة من صميم روح الدين ذاته.
ورغم أنّ شريعتي كان مصنفاً كمناوئ صلب للاستبداد الشاهنشاهي وقتها، فإنه فضل خوض مواجهة تنويرية مع رفاق النضال من المتدينين الذين انخرط معهم في معارضة للاستبداد في ايران خلال حقبة الستينيات والسبعينيات.
وللمفارقة فإن الكتاب كان عبارة  عن محاضرات كان يلقيها على طلاب الجامعات في الحسينيات والمساجد التي كانت منطلقا للثورة الإيرانية.
اليوم نواجه ذات الإشكالية مع صوت مدني يسمّى تجوّزاً بالتيار، تقوده واجهات مختلفة تناضل من أجل كسر الهيمنة الدينية على الفضاء السياسي والاجتماعي في عراق ما بعد ٢٠٠٣.
لكنّ هذا الصوت أو التيار يعاني من ارتباك واضح في تحديد بوصلة الأولويات، كما انه يعاني ايضا من أزمة حقيقية في تكوين رؤية متماسكة تمكنه من تقديم نفسه امام العراقيين كبديل وحيد لإخراج البلاد من نكبتها.
فبعد ١٣ عاماً من المعارضة من داخل النظام السياسي، وأكثر من خمسة أعوام من حراك حقيقي في الشوارع والساحات، لا نرى تراكماً في التجربة ولا وضوحاً في الأهداف.
بالتأكيد لايمكن توقع ذلك في ظل الانقسام المجتمعي الحاد الذي يعيشه العراق، واحتكار أوليغارشية سلطوية للمال والنفوذ حوّلت الدولة الى إقطاعيات إثنوطائفية.
لكن ونظراً للإمكانات الهائلة، فكريا وتنظيميا، المتاحة للصوت المدني، إلا انه عجز عن استثمار كل ذلك، وفوت الفرص الذهبية التي اتيحت له منذ تظاهرات 2011. أحد تجليات هذا العجز، هو حالة الضمور التي يعاني منها الحراك المدني منذ انخراطه في تحالفات غير محسوبة في احتجاجات 2015، وتحولها الى كرة في مباراة الصراع بين الكتل والاحزاب.
وتعود أسباب ذلك، في الأساس، الى وجود اتجاه مدني يناهض المدنية ذاتها، رغم رفعه ذات الشعارات وحمله ذات الاهداف. وبفعل أسباب عديدة، بات هذا الاتجاه بتقديم نفسه كوكيل حصري للمعارضة السياسية، لا بل انه يحكم على منتقديه ومعارضيه من بين المدنيين ذاتهم، بالردة، والتخوين، والعمالة لهذه الجهة او تلك.
ما يميز هذا الاتجاه انه بلا خطط ستراتيجية، وانه يعجز عن تبني رؤية متكاملة لحراكه وحلفائه، وهو يفضل الغرق في التفاصيل التي تزيده تشتتاً وتشرذماً. وهذا ما يجعله يعاني من لهاث مزمن لملاحقة قضية هنا، واثارة هناك، تفقده عناصر قوته، وتبدد الفرصة التي يحصل عليها من اخطاء خصومه.
ينشغل هذا الاتجاه المدني، هذه الايام، بالتمجيد والتهليل لركوب فتيات بغداديات للدراجات الهوائية، في وقت يتم فيه تمرير موازنة مجحفة بحق ملايين المواطنين الذين لا يجدون من يدافع عنهم في ظل سياسة الضرائب القاسية التي تفرضها الحكومة على مرأى ومسمع من الجميع.
شارك هؤلاء بتشتيت بوصلة احتجاجات الصيف الماضي، عندما شاركوا بإجهاض الحراك المطلبي في المحافظات والاقضية والنواحي، الذي قطف الاهالي ثماره سريعا حينها، وقاموا بنقله الى العاصمة نزولاً عند رغبة حليف سياسي بارز ارتأى ان أقرب الطرق الى الإصلاح يتمثل باقتحام المنطقة الخضراء، ومهاجمة مكاتب الاحزاب. لم يكلف أصحاب هذا الاتجاه أنفسهم لمراجعة عام من الاحتجاج المتلكئ، بل انشغلوا في ملاحقة تفاصيل مبتذلة في بعض الاحيان.
لا يجد هذا الاتجاه ضيراً في التحالف مع جهات مناهضة للحريات بمفهومها المديني، لكنهم يضيقون ذرعاً من نقودات وملاحظات تسجل على أدائهم المرتبك والمتخبط. لا يجدون حرجاً في تبرير أخطاء حلفائهم، لكنهم يصمّون الأسماع عمن يطالبهم بضبط البوصلة باتجاهها الصحيح.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram