TOP

جريدة المدى > عام > ستيفن هوكنغ.. موجز تأريخ حياتي ..سيرة ذاتية - القسم الثامن

ستيفن هوكنغ.. موجز تأريخ حياتي ..سيرة ذاتية - القسم الثامن

نشر في: 14 ديسمبر, 2016: 12:01 ص

أواصل في هذا القسم - وأقسام أخرى ستأتي تباعاً - نشر أجزاء من الفصول الأولية للسيرة الذاتية الموجزة التي كتبها الفيزيائي النظري وعالم الكونيات الأشهر ( ستيفن هوكنغ ) ونشرتها دار نشر بانتام Bantam عام 2013 بعنوان ( موجز تأريخ حياتي My Brief History) .ا

أواصل في هذا القسم - وأقسام أخرى ستأتي تباعاً - نشر أجزاء من الفصول الأولية للسيرة الذاتية الموجزة التي كتبها الفيزيائي النظري وعالم الكونيات الأشهر ( ستيفن هوكنغ ) ونشرتها دار نشر بانتام Bantam عام 2013 بعنوان ( موجز تأريخ حياتي My Brief History) .
المترجمة

الزواج
عندما عدنا من معهد كاليفورنيا التقني ( كالتك ) عام 1975 أدركنا أن سلالم المنزل في بريطانيا باتت شديدة المشقة عليّ ؛ لذا تكرّمت علي إدارة الكلية - بعد أن صارت تحمل تقديراً أعلى لأعمالي - بالإقامة في شقة أرضية من مبنى واسع مشيد على الطراز الفكتوري تعود ملكيته للكلية ( في مرحلة لاحقة تمّ تهديم المنزل وشيّد عوضاً عنه مجمّع سكني طلابي يحمل اسمي ) . كانت شقتي الجديدة تقع وسط حدائق غنّاء ويديم العناية بها حدائقيون يعملون لدى الكلية ؛ الامر الذي كان مبعث سعادة لأطفالي بخاصة .
كانت رغبتي فاترة للغاية بشأن العودة إلى إنكلترا ؛ إذ أن كل شيء فيها يبدو مقيداً يبعث على محدودية التفكّر والبحث على عكس الحالة في أمريكا حيث الآفاق الرحبة للعمل والانطلاق نحو آفاق غير مسبوقة في البحث ، وممّا فاقم المشهد بعد عودتي هو رؤيتي للطرقات وقد تناثرت عليها أشجار الدردار الميتة بعد أن نخرها الوباء الهولندي إلى جانب أن البلاد قد عانت كثيراً بفعل الإضرابات الساخطة التي عمّتها ؛ غير أن مزاجي العام شهد تحسناً ملحوظاً بعد ان أحرزت نجاحات معتبرة في عملي وكذلك بعد اختياري لشغل كرسي البروفسور اللوكاسي في الرياضيات*- ذلك الكرسي الذي كان شغله من قبل كل من إسحاق نيوتن و بول ديراك .
ولِد طفلنا الثالث ( تيم ) عام 1979 بعد رحلة إلى جزيرة كورسيكا حيث ألقيت محاضرات في مدرسة صيفية هناك . بعد ولادة تيم غدت جين أكثر اكتئاباً لأنها كانت قلقة للغاية من احتمالية موتي الوشيك ؛ لذا تطلعت إلى رجلٍ ما يستطيع أن يمنحها والأطفال الثلاثة الرعاية والدعم من خلال زواجه بها بعد ان أكون قد رحلت ، وقد خلص مسعاها بالعثور على ( جوناثان جونز ) : الموسيقي وعازف الغيتار في الكنيسة المحلية ، وقد أفردت له جين غرفة في شقتنا . بالطبع ماكنت لأرضى إقامة كائن من كان بيننا ، غير انني رضخت لكوني أنا الآخر كنت أتوقع موتي المبكر وشعرت بالحاجة الملحة لوجود أحد ما يعتني بعائلتي من بعدي .
راحت حالتي تتفاقم سوءا بأكثر من ذي قبلُ ، وكانت إحدى العوارض المرتبطة بتقدم حالتي المرضية هي نوبات الاختناق الطويلة . حصل عام 1985 أثناء رحلة لي للمركز الأوروبي للبحوث النووية ( سيرن ) في سويسرا أن أصبتُ بالتهاب رئوي ونُقِلت على الفور إلى مستشفى المقاطعة ووُضعت على جهاز التنفس الصناعيّ ، وقد ظن الأطباء أنني ميت لامحالة حتى أنهم فكّروا بسحب جهاز التنفس الصناعي وإنهاء حياتي لكن ( جين ) رفضت وقرّرت إعادتي بواسطة طائرة الإسعاف الجوي إلى بريطانيا وإدخالي على الفور بمستشفى أدينبروك في كامبردج . جاهد الأطباء في المستشفى جهاداً بطولياً لإعادتي إلى الحالة التي كنت عليها قبل سفري إلى سويسرا ؛ غير أنهم لم يستطيعوا في نهاية الأمر إنقاذ حياتي سوى بإجراء عملية شق القصبة الهوائية**  tracheotomy  .
غدا كلامي قبل العملية رجراجاً غير مفهوم سوى لهؤلاء الذين هم على معرفة وثيقة بي ، ولكني - على أقل تقدير - كنت أستطيع التفاهم بشكل ما : كتبت أوراقاً بحثية علمية عن طريق إملائها على سكرتيرتي ، وكنت أعقد حلقات دراسية أستعين فيها بمفسّر لكلماتي يعمل على إعادة سرد كلماتي بعد تضخيمها وجعلها أفضل نطقاً واكثر وضوحاً . بقيت لوقت ليس بالقصير أتفاهم مع الآخرين من خلال إملاء الكلمات حرفاً بعد حرف ، وكانت الطريقة السياقية المتبعة في هذا الأمر هو أن أرفع حاجبيّ إلى الأعلى متى ماأشار أحدهم إلى الحرف المطلوب على لوحة الحروف أمامي !! ولكم أن تتصورا حجم المشقة التي كنت أعانيها لإتمام محادثة ، أما الأمر مع كتابة ورقة علمية فكان أعقد وأشق بكثير ، وقد حصل على كل حال أن سمع مختص بالحاسوب مقيم في كاليفورنيا يدعى ( والت والتوس ) بمعضلتي المتعبة فأرسل لي برنامجاً حاسوبياً يدعى ( المُعادِل Equalizer )  كتبه بنفسه ليفي باحتياجاتي ، وقد أتاح لي هذا البرنامج الحاسوبي اختيار الحرف المناسب من قوائم عدة معروضة على الشاشة أمامي وذلك عن طريق الضغط على زر موضوع في يدي ، أما اليوم فأستخدم نموذجاً آخر من برنامجه يدعى Words Plus وأستطيع التحكم به من خلال متحسس صغير مثبت في نظارتي ويستجيب لحركة وجنتي ، وعلى هذا النحو صرت أكوّن العبارات التي أريدها كلمة إثر كلمة ثم أرسل العبارة المطلوبة لمركّب الكلام Speech Synthesizer .
عندما غادرت المستشفى كنت في حاجة إلى رعاية تمريضية على مدار الساعة ، وقد شعرت بادئ الأمر أن جهدي البحثي قد بلغ منتهاه ولم يعُد بوسعي عمل شيء سوى الجلوس في المنزل وقضاء الوقت في مشاهدة التلفاز ، ولكن سرعان ماعرفت أن في استطاعتي مواصلة عملي العلمي وكتابة المعادلات الرياضياتية باستخدام برنامج حاسوبي يسمى ( لاتكس Latex ) يمكّن المرء من كتابة الرموز الرياضياتية باستخدام الحروف العادية للغة المتداولة .
غدوتُ - برغم كل التطورات الجيدة في نوعية حياتي - غير سعيد بشأن العلاقة الحميمة التي راحت تتعاظم وشائجها بين جين و جوناثان ، وفي نهاية الأمر لم أعد أطيق الاصطبار على تلك العلاقة ؛ فقرّرت عام 1990 المغادرة للإقامة في شقة جديدة صحبة واحدة من مُمرضاتي : إيلين مايسون  Elaine Mason  . وجدنا الشقة ضيقة بعض الشيء غير كافية لتضمني أنا وإيلين وابنيها الاثنين اللذين كانا يقضيان بعض الأسبوع معنا ؛ لذا عزمنا على الارتحال من الشقة والبحث عن مكان أفضل .
حصل عام 1987 أن أطاحت عاصفة بسقف كلية نيونهام التي كانت آنذاك الكلية الوحيدة التي يقتصر خريجوها على النساء حسب ( كانت الكليات التي يقتصر خريجوها على الرجال حسب قد شرعت آنذاك في قبول الفتيات . كلية " كايوس " التي كنت أعمل فيها كانت تضم عدداً من الزملاء المحافظين وجاء ترتيبها الأخير في قائمة الكليات التي شرعت أبواب القبول أمام الفتيات بعد أن اقتنعت إدارتها - مدفوعة بنتائج امتحانات القبول - أن الكلية لن تستقطب رجالاً مميزين مالم تقبل طلبات النساء في الوقت ذاته ) ، ولأن كلية نيونهام كانت فقيرة الموارد فقد توجب عليها بيع أربع قطع من الأراضي العائدة لها للإيفاء بتكاليف إصلاح الأضرار التي تسببت بها العاصفة لسقف الكلية ، وقد  اشترينا واحدة من قطع الأراضي الأربع وشيّدنا عليها منزلاً يمكن فيه الحركة مع الكرسي المتحرك بطريقة أكثر يسراً من المنازل التقليدية السائدة .
تزوّجنا أنا وإيلين عام 1995 ، وبعد تسعة شهور من زواجنا تزوجت جين وجوناثان جونز .
كان زواجي من إيلين متخماً بالشغف الذي تنتابه نوبات ثورات أحياناً ؛ فقد كانت لنا برهات نحلق فيها للذرى وأخرى نمكث فيها على الأرض المستوية ، ولكن الحقيقة المؤكدة هي أن إيلين ( ولكونها ممرضة متمرسة ) أنقذت حياتي غير مرة .  
 هوامش المترجمة
 * البروفسور اللوكاسي في الرياضيات Lucasian Professorship of Mathematics :   هو لقب أستاذية الرياضيات في جامعة كامبريدج بإنكلترا . تأسس اللقب عام 1663 على يد هنري لوكاس الذي كان عضو البرلمان عن جامعة كامبريدج من عامي 1639-164 ، وأصبح المنصب رسمياً بعد أن أقره تشارلز الثاني ملك إنجلترا في 18 كانون الثاني 1664 ، ويعدُّ المنصب من أرقى المناصب الأكاديمية في العالم .
**  شق القصبة الهوائية : هي عملية جراحية لعمل ثقب في الرقبة ينفذ إلى القصبة الهوائية ليسمح بمواصلة عملية التنفس في حالة عدم القدرة على التنفس من خلال المسارات الهوائية الطبيعية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

كلمة في أنطون تشيخوف بمناسبة مرور 165 عاما على ميلاده

الحصيري في ثلاثة أزمنة

الهوية والتعبير الاسلوبي.. مشتركات تجمع شاكر حسن واللبناني جبران طرزي

موسيقى الاحد: احتفاليات 2025

تنويعات في الوضوح

مقالات ذات صلة

الطفولة بوصفها السّاحةَ الّتي تتوالى عليها الأحداثُ والمجرياتُ الّتي يمارسُها المبدعون
عام

الطفولة بوصفها السّاحةَ الّتي تتوالى عليها الأحداثُ والمجرياتُ الّتي يمارسُها المبدعون

استطلاع/ علاء المفرجي تتواصل المدى في الوقوف عند محطات الطفولة والنشأة الأولى عند عدد من مثقفينا ورموزنا الفكرية، ومن خلال حواراتهم مع المدى، وتكمنُ أهمّيّة المكان والطفولة بوصفها السّاحةَ الّتي تتوالى عليها الأحداثُ والمجرياتُ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram