TOP

جريدة المدى > عام > عود الآراك.. صوت شعري يتسع لأحزان العراق

عود الآراك.. صوت شعري يتسع لأحزان العراق

نشر في: 19 ديسمبر, 2016: 12:01 ص

بعيدا عن ايحاءات الاسم المستعار، تجسد الشاعرة العراقية المغتربة (عود الآراك) الحالة العراقية بأبعادها الأشد ايلاما، على المرأة بوجه خاص، حيث الهجرة والتشرد والفراق، وعذابات السفر والترحال، والمرور بمحطات مجهولة،  ثم بلوغ (القارة البيضاء) حيث الأ

بعيدا عن ايحاءات الاسم المستعار، تجسد الشاعرة العراقية المغتربة (عود الآراك) الحالة العراقية بأبعادها الأشد ايلاما، على المرأة بوجه خاص، حيث الهجرة والتشرد والفراق، وعذابات السفر والترحال، والمرور بمحطات مجهولة،  ثم بلوغ (القارة البيضاء) حيث الأمان الذي يحفظ الجسد ويُكبّل الروح.
تخاطبنا من خلف منصة انتصبت في مسكن السفير العراقي لدى المملكة المتحدة الدكتور صالح علي التميمي الذي هيأ للشاعرة القادمة من بلجيكا فرصة اللقاء بجمهور لندن في منزلهِ وبين أفراد أسرته.
جاءت (عود الآراك) مصحوبة بطفليها، تجرجرُ أذيال الانكسار مثلها كمثلِ الملايين من العراقيين المنسيين في المنافي.
امرأة تنتفض لوعة مع كل حرف يخرج من أعماقها. وقد نتساءل للوهلة الأولى.. ماذا يمثل العراق لإنسانة تنوء بهذا الحمل الثقيل من الذكريات الأليمة..، ويأتي الجواب من قلب القصيدة: "هربتُ منه لكنه كاللعنة يسكنني".
تخاطبنا وهي تعلم بوقع أشعارها على نفوسنا المُنهكة.. "الشعر عندي كهواء..حتى لو أثرتُ أشمئزازكم، المهم أن أصل اليكم".
 أحيانا، وفي غمرة ذوبانها مع القصيدة لاندري ان كانت تضحكُ، أم تسخرُ، أم تنتحبْ..، تقول: "الحزن يرافق كل عراقي أينما حل.. هاجرنا وهاجرت معنا الآمنا، قلوبنا منخورة، لدينا شهداء، كيف ننسى؟"
هل ثمة بصيص أملٍ ازاء طوفان الألم الذي يسكن هذه المرأة، ومثلها الملايين من أهلنا؟ أكاد أقول نعم.. إذْ ليس من شك في أهمية أن نعمل كشعب على تسجيل تجربتنا الاستثنائية مع الألم، ليس فقط من أجل الأجيال القادمة والعِبرة والتاريخ، ولكن أيضا  من أجل خلاصنا وشفاء نفوسنا. بلى. نستطيع أن نطمئن قليلا لمصيرهذه المرأة المفجوعة في وطنها وأهلها، لاسيما وأننا نجد في حياتها طفلين بريئين يبدو أنهما تجاوزا تجربة الأم، فهاهي الابنة (عسل) تعبرُ سنوات المراهقة بأمان، وتشارك والدتها المنصة بتقديم ترجمة ذكية وعذبة لأشعارها الى الانجليزية. وهاهو الابن الأصغر( حمزة) يمسك بالغيتار ليُرسل في فضاء الأمسية ألحانا خافتة تخفف من وطأة القصائد على السامع.
كأنّ القصائد الدامية لم تكن تكفي لاحتواء جذوة الغضب لديها، أو تُلملم دخان الحرائق المشتعلة في روحها. فهاهي الجدران تمنح نفسها لما يقرب من عشرين لوحة تجريدية تُعبّرُ، على نحوٍ أقلُ مأساوية، عن امتدادات وآفاق أخرى في تجربة الشاعرة. تقول: "الكلمات لاتكفيني، منذ صغري وأنا أتقافز بين الكلمة واللون. أشعر أن الرسم بحاجة الى كلام والكلام بحاجة الى رسوم."
نلاحظ في أعمالها التجريدية غلبة اللون الأصفر وتكرار حضوره بمساحات كبيرة في أكثرمن لوحة..، هل تُراهُ توق الى البهجة وأستجداء للفرح أم لعبة تشكيلية محضة..؟ وهناك أيضا أعمال تعود بنا الى زمن الطفولة وبهجة الاحتفال بالعيد بكل ألوان الفرح الواقعية. ويُطمئننا جوابها :"هو اشعاع من الروح وتعويض عن العتمة.." اذن فمازال هناك ثمة توق الى الحياة الطبيعية في كيان الشاعرة التي اهتم التلفزيون البلجيكي بتسجيل تجربتها في المزاوجة بين الشعر والرسم، ووصف الناقد العراقي الراحل (محمد الجزائري) تجربتها بقوله: "عودُ الآراك تكون أحيانا عود ثقاب مشتعل ينوش أذيال ثوب المهزلة"، بينما نوّه الناقد (عبد الرضا علي) الى نصوصها الجريئة المتفردة، المجتازة للضوابط التقليدية.
وقد أبدى ضيوف الأمسية اهتماما غير متوقع باقتناء اللوحات حيث أن معظم العراقيين بات يتجنب الاحتفاظ  بالرموز الحزينة، ولكن يبدو أننا جميعا قد تآلفنا مع (تراجيديا) هذه المرأة الجريحة التي تُعبرُ عن آلامها الشخصية وانكساراتها الذاتية دونما مكابرة أو رياء. وهذا يؤكد أن التجربة الصادقة تأخذ طريقها الى القلوب بغض النظرعن طبيعتها.
 عبّرت الأمسية بشقيها الشعري والتشكيلي، وجهدها التنظيمي وخصوصية مكان انعقادها، عن توجهات السفير العراقي الدكتور صالح علي التميمي في المضي قُدما في دعم ومساندة المغتربين العراقيين، ثقافيا واجتماعيا وانسانيا، برغم ما قد تكون عليه ظروف العراق الأمنية والسياسية والاقتصادية. فقد أضاف السيد السفير لمهمتهِ الدبلوماسية بُعدا انسانيا لم يُعهد من قبل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

الحصيري في ثلاثة أزمنة

كلمة في أنطون تشيخوف بمناسبة مرور 165 عاما على ميلاده

الهوية والتعبير الاسلوبي.. مشتركات تجمع شاكر حسن واللبناني جبران طرزي

موسيقى الاحد: احتفاليات 2025

تنويعات في الوضوح

مقالات ذات صلة

الطفولة بوصفها السّاحةَ الّتي تتوالى عليها الأحداثُ والمجرياتُ الّتي يمارسُها المبدعون
عام

الطفولة بوصفها السّاحةَ الّتي تتوالى عليها الأحداثُ والمجرياتُ الّتي يمارسُها المبدعون

استطلاع/ علاء المفرجي تتواصل المدى في الوقوف عند محطات الطفولة والنشأة الأولى عند عدد من مثقفينا ورموزنا الفكرية، ومن خلال حواراتهم مع المدى، وتكمنُ أهمّيّة المكان والطفولة بوصفها السّاحةَ الّتي تتوالى عليها الأحداثُ والمجرياتُ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram