3
ليس هناك من مسرح عربي واحد راح يعتز برواده من كتاب المسرحية أمثال أحمد شوقي وعلي أحمد باكثير ومارون النقاش وغيرهم ويقدم من مؤلفاتهم عروضاً على خشبات المسارح كما يفعل الانكليز مع شكسبير والفرنسيون مع مولير والروس مع جيكوف . وفي معظم البلاد العربية تشكلت فرق مسرحية تابعة للدول وسميت (المسرح الوطني) أو (المسرح القومي) أو (الفرقة القومية للتمثيل). إلا ان احدى هذه الفرق لم تلجأ الى نظام (الربرتوار) الذي يحقق مبدأ المسرح الدائم كما هو الحال في الدول المتقدمة حضارياً . اكتفي بهذين المثالين لانتقل إلى واقع المسرح العربي هذه الأيام.
نتيجة للتطور التكنولوجي وظهور التقنية الرقمية وبسبب الفوضى التي تعم المجتمعات في العالم الغربي وما يتعلق بالسياسة والاجتماع والاقتصاد فقد اتسمت الأعمال المسرحية في بعض البلاد بالطابع الجديد للمجتمع وبما يتعلق بالشكل بوجه خاص، وكانت نزعة التجديد هي التي دفعت بعض العاملين في الحقل المسرحي لإدخال تقنيات التكنولوجيا الجديدة في عروضهم المسرحية وهي تقنيات دخيلة على فن المسرح وجوهرة وبعكس طروحات البولوني (جيرزي غروتوفسكي) في مسرحية (الفقير) حين دعا الى نبذ كل ما هو دخيل على الفن المسرحي ، وهكذا تأثر المسرح في بعض البلاد العربية بنزعة التجديد رغم أنهم لم يرسخوا أقدامهم بما هو قديم أو تقليدي. وعلى سبيل المثال شاهدت عدداً من العروض المسرحية المصرية في مهرجان القاهرة الدولي بدورته الثالثة والعشرين ، وقد استخدم مخرجوها التقنية الرقمية بتبذير وافراط أديا إلى التشويش على موضوعات العرض وايصال دلالاته الى الجمهور . وفي بلدان عربية أخرى ظهرت ادعاءات بتجاوز الأعمال المسرحية الى مواصفات ما بعد الحداثة . وهكذا راحوا يقفزون ويحرقون المراحل بلا مبرر منطقي أو فني .فاذا كان الغربيون ينتقلون من الحداثة الى ما بعدها فلهم كل الحق لأنهم مروا بجميع مراحل تطور العمل المسرحي من الكلاسيكية الى اللامعقول ورسخوا تقاليد خاصة بهم، أما بعض المسرحيين العرب هذه الأيام فلم يسيروا بمسار مشابه بل راحوا يلهثون وراء التجديد ويتهمون من سبقوهم بالتقليدية والتخلف. والغريب أن هؤلاء هم الذين يتسيدون الساحة المسرحية العربية هذه الأيام بينما يغيب عنها مسرحيون رواد ومقتدرون وأكفاء وحاملو ثقافة حياتية ومسرحية كافية ،عكس هؤلاء الذين يدعون التجديد . واذا أستمر الحال على هذا المنوال في المستقبل فسوف يتراجع المسرح العربي خطوات ويبتعد عن جمهوره المتذوق لأن أعمال مدعي التجديد يسودها الغموض والابهام والتشويش السمعي البصري . نعم اذا استمر الحال على ما هو عليه الآن فسوف لن تكون هناك قيمة فنية وفكريه لمسرح الدولة (المسرح الوطني) طالما لا تضع ادارته برنامجاً متنوعاً من العروض المسرحية المتنوعة في الشكل والمضمون وتحقق مبدأ المسرح الدائم وسوف لن يتسلح دارسو المسرح في المعاهد والجامعات بالثقافة المسرحية الشاملة ولن يتم خلق جيل مسرحي متنوّر عارف بالقواعد والأصول والمبادئ والمدارس الفنية وتطورها وبعكس الدول المتقدمة مسرحياً تلك التي استطاع مسرحيوها توسيع رقعة الجمهور المتذوق للفن المسرحي فان مسرحيينا العرب ان بقوا على قفزاتهم وتبجحهم وادعائهم بالتجديد فسوف يبعدون الجمهور عن الفن المسرحي الحقيقي ويتوجهون الى مشاهدة عروض المسرح التجاري المتهافتة والهابطة فنياً وفكرياً أحياناً .