4-6
في إحدى سفراته إلى العاصمة بغداد جلب لي والدي مجلة قديمة، مجلة الكشاف العراقي، التي عثر عليها مثلما عثر على البطاقات الأخرى في مكتبة الفضلي في سوق السراي. المجلة هذه صدرت أولاً في 15حزيران عام 1924، وكان صاحبها محمود نديم، أحد رواد الحركة الكشفية والمشرف عليها في ذلك الحين في العراق. المجلة هي مجلة علمية تهذيبية تحتوي على موضوعات علمية وعملية كان هدفها نشر حركات الكشاف والعمل على نهضتها في العراق وكانت كما عرفت لاحقاً، مجلة نصف شهرية، صدرت منها للأسف بضعة أعداد ثم توقفت وعاودت الصدور ثانية عام 1926، قبل أن تتوقف نهائياً. انحصرت اهتمامات المجلة بتعليمات ونشاطات الكشافة في العراق والعالم مثل: أصول تشكيل الفرق الكشفية، نصب الخيام، إقامة المعسكرات الكشفية، الألعاب الكشفية والرياضية والإسعافات الأولية، إضافة إلى الأبواب الثابتة (أخبار كشافة الوطن، بين المجلة وقرائها). ولكي يريني أبي التغيير الذي حدث للكشافة، فتح المجلة أمامي. هل ترى هذه الصور، سألني وهو يشير للصور التي زينت صفحات المجلة الداخلية، والتي كُتب تحتها: سمو الأمير المعظم المحبوب ولي عهد العراق، في حين جاء على الصفحة الأخرى ما يلي: سمو الأمير الجليل قدمت أهلاً ووطنت سهلاً يبتهج بك العراق ويتقدم إليك الكشاف العراقي بتحية الاخلاص والولاء، ثم وردت العبارات التالية: العراق يود تباهي كشافته بسمو أميرها كما يتباهى الكشاف العراقي في يومنا هذا بأمير ويلس الذي شمل بعنايته كشافة شعبه. أنه الملك غازي قال لي أبي.
ثم حدثني عن قصة الملك مع الكشافة، والتي حدثت قبل ولادة أبي بسبع سنوات. قال لي: بعد وصول الملك غازي إلى بغداد عام 1921، شعر والده الملك فيصل الأول بالحاجة إلى تطوير قدرات إبنه الذهنية والجسدية وبما يليق به كولي للعهد، لذلك أخضع ولده الذي وُلد عام 1912 إلى سلسلة من التدريبات العملية والرياضية وكان من بينها انخراطه في فرقة الكشافة الملوكية التي أُسست أصلاً بدافع إعداد ولي العهد وتطوير قدراته الحركية والرياضية، وبعد أن تأكد للقائمين على تربية الأمير أنه بحاجة إلى الاختلاط والبناء البدني، تقرر تشكيل فرقة كشفية تضم أبرز الكشافين في المدارس البغدادية، ممن هم في عمر الأمير غازي ولهذا الغرض صدر عن مركز الكشافة العام في بغداد كتاب جاء فيه: ستتألف فرقة كشافة ممتازة باسم الفرقة الملكية المنتخبة وتكون هذه الفرقة مرتبطة بالمركز العام رأسا ولا تنتسب إلى فرق المدارس أما أفرادها فسينتخبون من الكشافة الحاملين علامة الدرجة الثالثة (الأرقى) من جميع الفرق ومن المحتمل أن ينتسب سمو الأمير غازي إلى هذه الفرقة. هكذا تم اختيار نخبة من الطلاب المتفوقين من أبناء الوزراء ووكلاء الوزارات والحكام والموظفين الكبار في الدولة في عام 1925، وتم إبلاغهم بالحضور إلى البلاط الملكي لهذا الغرض وهناك حصلوا على مقابلة الملك فيصل الأول الذي كان مهتما جدا بأمر الفرقة وطلب منهم ومن بقية الحاضرين من الطلبة أن يبذلوا قصارى جهدهم من أجل التطور وإتقان الألعاب الكشفية والتعامل مع ولده ككشاف وليس كأمير! ولكي يمزح أبي معي، قال لي، أن الأمير غازي كان مثلك ضعيف البنية ويُقال أنه كان أقل الجميع قدرة على الحركة واستيعاب المفردات الكشفية حتى أنه أثناء التدريب كان خجولا جدا وغير قادر على الاستعداد والاسترخاء مثل بقية أعضاء الفرقة المتمكنين وكثيرا ما كان يصاب بالتعب بعد أقل مجهود يبذله، علما أن الفرقة كانت تتدرب مرتين في الإسبوع.
يتبع