الكتاب: مملكة الفضاء اللامتناهيتأليف: رايموند تاليسترجمة: عادل العامللنفكر ملياً، يقول روبرت فولفورد، كاتب هذا المقال، بالطريقة التي يتكلم بها الوجه البشري بفصاحة صامتة. من وجهة نظر رايموند تاليس، و هو دكتور بريطاني بارز و كاتب موهوب، فإن وجه الرجل أو المرأة يمثل " السطح الأكثر تعيئةً بالإشارات في الدنيا ".
فليس هناك من شيء آخر نراه يحمل معنىً أكثر مما يحمله الوجه البشري. و كل وجه يعرض عيِّنةً من الاستجابات الانفعالية الكثيفة في الحاضر و أرشيفاً من خبرة صاحبه في الماضي. و كل واحد منهما فريد و غامضٍ على حدٍ سواء. في كتابه، (مملكة الفضاء اللامتناهي: رحلة فنتازية من حول رأسك)، الصادر عن مطبعة جامعة ييل Yale، يبدأ الدكتور تاليس لتحويل قرّائه إلى سيّاح مندهشين بجزءٍ صغير من العالم هو الأقرب إليهم، و لهذا فإنهم لا يسلِّمون مرةً أخرى على الإطلاق بما يُبديه لهم الرأس الذي ينظر إليهم من المرآة". و هو يبدأ اختباره بالوجه. إن الوجوه، كما يراها تاليس، أشبه بالنصوص، محشورة بالمعلومات. و لديَّ صديق اعتاد أن يستشهد بتعبير مكرر أدبي قديم يقول: " كان وجها دراسة ". و لكن، و في وقتنا هذا، تغيَّرت الوجوه، و أصبح من الصعب قراءتها. فنحن نطوِّر الوجه وفقاً للعصر الذي نحن فيه. و بوتوكس Botox هو أحد الأسباب. قبوتوكس يُرخي العضلات الوجهية و يوفر امتداداً أملس حيث يمكن للتجعدات أن تظهر، كاشفةً عن عمر الوجه. و بدوره، يقتضي بوتوكس تكلفةً قاسية. فمستخدمه يُصبح نسبياً باهت الشكل، أكثر شبهاً بالنسخةٍ من الأصل. فهل سنتحدث في نهاية الأمر عن وجوه ما قبل بوتوكس كمنتجات من صنع الإنسان artifacts بأسلوب كان محبوباً و الآن مهجور، كالرواية الفكتورية (نسبةً إلى عصر ملكة بريطانيا فكتوريا 1837 ــ 1901)؟ إن معيار قارئ الأخبار هو أقدم وجهٍ إلى حدٍ بعيد أنتجته حضارتنا. إنه القناع العالمي، فهو تقريباً نفسه من طوكيو إلى بروكسل، الذي نتلقى من خلاله المعلومات على شاشة التلفزيون. و عن طريق العُرف tradition، لا يُظهر قرّاء الأخبار أي انفعال، و الكثيرون جداً منا يقضون وقتهم كلَّ يوم في التطلع إلى وجوهٍ مستويةً و عامة، بعيدة عما سنعتبرها إنسانية (في الحياة الخاصة). ففي محاولة منهم لاتخاذ أسلوبٍ لا حسَّ فيه، يستحضر أهل الأخبار التلفزيونية التعبير الأنكليزي ــ po-faced " "، وهو مختصر ما معناه صاحب الوجه الخالي من أي تعبير. في الحياة الاعتيادية، ما يريده الناس حين يحدّقون في وجوه غيرهم هو الاقرار بالاستلام acknowledgement. إننا نريد إحساساً بأننا موجودون. و يستشهد تاليس هنا بوجهة نظر هيغل التي مفادها أن البشر يتوقون فوق كل شيء إلى تعرّف البشر الآخرين عليهم. و الاتصال هو المفتاح. فعن دراية أو بدونها، نتوق جميعاً إلى ذلك و قد نتهاوى إلى أجزاء محطمة إن لم يحدث هذا. إن (مملكة الفضاء اللامتناهي) يحتفي بالعمليات البايلوجية الروتينية التي تنساب في العادة تحت رادار الوعي. و هو أمر نموذجي لتاليس. فهو يبحث اعتيادياً عن الحقيقة التي يمكن أن تكون محيرةً حتى يقع عليها النوع الصحيح من التخيّل. إنه دكتور في الطب بالمهنة، و فيلسوف بالنزعة. و في عام 2006، في سن 60 عاماً، تقاعد كبروفيسور في جامعة مانشستر. و قد أراد المزيد من الوقت للعمل بإنجاز كتبه، لكن من الصعب تصور أنه سيكون،أكثر إنتاجيةً في حياته الجديدة من السابق. فعلى مدى ثلاثة عقود من الزمن، و هو يصحو مبكراً عند الساعة الخامسة ليكتب مدةَ ساعتين قبل الذهاب إلى الجامعة، قد أنتج رفاً طويلاً من الكتب الباحثة في كل شيء، من تفاهات النقد الأدبي لما بعد الحداثة إلى الذكاء الاصطناعي. و مواضيعه هي الحياة، و الموت، و الوعي، زائداً أي شيء آخر يقع في طريقه. فقبل أربع سنوات، و في كتابٍ له عن الأدوية و الكآبات الناجمة عن خيبة الأمل، ألقى باللوم على الحكومة البريطانية للتآكل الحاصل في المهنية بين الأطباء، و هو يرمي بأحجاره طوال الطريق على المؤمنين بشكلٍ أعمى بـ " الطب البديل "، الذين تهدد إساءة فهمهم الغبية هذه بإفساد المهنة كلها. إضافةً إلى أنه شاعر معروف جيداً على صعيد النشر و أحد كتّاب المقالات الحاسمين في إنكلترا. و بقدر ما يعرف تاليس، ليس هناك من شيءٍ لا يتَّسم بالأهمية قي محيط الرأس. فالرأس، بعد كل شيء، يمكنه أن يعطس، يقبِّل، يضحك، يتثاءب، يتقيَّأ، و يبكي، أحياناً بإذنٍ من صاحبه و أحياناً من دون إذن. و احمرار الوجه، مثلاً، يفتن تاليس. ففي بعض الأحيان، نجد الدم، من دون دعوةٍ من وعينا، يتدفق إلى الوجه، محولاً إياه إلى اللون الأحمر. لماذا؟ لا ينسى تاليس هنا أن يستشهد بتلخيص مقتضب لمارك توين، " إن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يحمرُّ وجهه ــ أو يحتاج لأن يفعل ذلك ". و كما يقول تاليس، " إننا نحمرُّ مع الإحراج، مع الخجل، مع عدم اليقين، مع الفضح ". و احمرار الوجه شائع بين الأطفال لكنه يبلغ الذروة في سن المراهقة حين يبلغ القلق الاجتماعي و الوعي الذاتي الذروة أيضاً. و هو ينجم عن الانتباه الاجتماعي غير المرغوب به و الشعور المصعَّد بالذات. لكنه فوق كل شيء مسألة خيانة ذاتية. و هنا يقدم تاليس إح
الوجه نافذة على الداخل
نشر في: 9 فبراير, 2010: 04:25 م