كاظم الجماسيإذا افترضنا أن نسبة القادرين على العمل في العراق تشكل ربع تعداد السكان من الذكور والإناث،(يبلغ عددهم حسب تقديرات منظمة العمل العربي 7 ملايين عراقي وعراقية) وإذا افترضنا ان ربع هذا العدد يعمل في القطاع العام فإن ثلاثة أرباعه يتوزع بين عاملين في القطاع الخاص وعاطلين عن العمل، والتوصيف الأخير يشكل النسبة الأكبر،
حيث الشحة او الانعدام غالبا في التعيينات الحكومية، وغياب فرص العمل المجزية في القطاع الخاص سيما الأعمال ذات الصبغة الفنية والتقنية بسبب شلل هذا القطاع المزمن، الأمر الذي ألجأ الكثرة الكاثرة منهم الى العمل بصفة عامل غير ماهر في الأعمال التي تقتضي من ممتهنيها بيع قوة عملهم مقابل الحصول على اجر يومي متدن غالبا، او امتهان أعمال رثة كمهنة بيع المواد المختلفة مما بتنا نشهده في مختلف الأسواق أو على قارعات الطرق العامة. هذه الشريحة الواسعة من العراقيين ظلت تكابد شظف العيش منذ عشرات السنين أيام حكم الاستبداد المباد وتضخمت معاناتها بعد الفوضى وسوء التدبير اللتين أعقبتا تغيير 9/4 الذي شكل انعطافة في تاريخ العراق المعاصر حبلى بالكثير على الرغم مما سبق ذكره. ان النظر الى واقع تلك العمالة العراقية المتزايدة يلزمنا النظر إلى كثير من الظواهر الإنسانية والاجتماعية السلبية التي أنتجتها السياسات التشريعية والتنفيذية الخاطئة او المؤجلة في الحزمة الأهم من القوانين القابعة بين دفتي الدستور او على لائحة القوانين المزمع تشريعها وقد رحلت معظمها إلى الدورة المقبلة لمجلس النواب العراقي. ومن تلك الظواهر تعميق الشرخ الأخلاقي الذي دفع الكثير من أفراد تلك الشريحة إلى استمراء اللصوصية سيما سرقة المال العام، وتصاعد وتائر الجريمة فضلا عن انتهاك القوانين وعدم احترامها ما انعكس على ضعف هيبة أجهزة الدولة بنحو غير مسبوق، كما أن التضخم الملحوظ في أعداد المتسولين يعد ظاهرة أخرى تضاف إلى قائمة تلك الظواهر السلبية مثلها مثل تجارة الرقيق الأبيض التي بات المواطن يرى وجها من وجوهها من خلال ما تعرضه بعض الفضائيات من رخص مريع باستعراض أجساد فئة ضالة من العراقيات، وكثير من الظواهر غير تلك التي ذكرناها ومما يضيق الحيز هنا بتعدادها. من وجهة نظر أخرى فإن تلك الشريحة التي ما انفكت أعدادها تتزايد، بغياب الجهات التي تتكفل بالدفاع عن مصالحها من مثل النقابات او المنظمات الإنسانية والمدنية، فضلا عن غياب تفعيل القوانين الخاصة بضمانها الاجتماعي، تواجه تلك الشريحة مخاطر جمة فهي معرضة لمخاطر ترافق مزاولتها ل(مهنها) الخاصة، والتي غالبا ما تكون تحت ظروف عمل قاسية طبيعيا واجتماعيا ونفسيا، وقد تعرض الكثير من أفرادها الى مخاطر العوق البدني والنفسي، بل تعرض قسم منهم طوال الست سنوات الماضيات الى مخاطر الموت المحقق بفعل التفجيرات وأعمال الإرهاب الأخرى لأن معظمهم يعمل في الأماكن العامة، فضلا عن الشروط الملغاة أصلاً للسلامة المهنية في ظروف عملهم. ان الضرورة الوطنية والإنسانية تحتم على الماسكين بزمام المسؤولية ايلاء اكبر الاهتمام إلى واقع هذه الشريحة وحتمية تغييره، فلا قيمة تعلو على قيمة الإنسان، والمواطن في كل بلاد العالم وعبر كل فصول التاريخ يشكل الهدف الأسمى الذي تصب عنده كل المهام التي تجسدها وظائف الدولة، أية دولة.
مكاشفة :مهن بلا مستقبل
نشر في: 9 فبراير, 2010: 04:39 م